ويستقل العقل بتحسين شيء وتقبيح شيء والذي يقضي بحسنه ووجوبه وجوب معرفة المنعم تعالى ووجوب شكره وأداء الأمانات وقبح الإخلال بذلك وقبح الإيلام لذي روح بغير عوض ولا جلب نفع، ولا دفع ضرر ولا استحقاق، ولكن لا يعاقب الله على الإخلال بما قد قضى به العقل على استقلاله إلا بعد ورود السمع المؤكد والمبين من جهته تعالى لما قد قضى به العقل يدل على ذلك قوله تعالى: [ ] {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}(2) أي: معذبين على مخالفة الحسن وفعل القبيح العقليين حتى يبعث رسولا، أي يبعثه بكتاب وشريعة، فأخبر تعالى أنهم قد فعلوا المخالفة ما قضت به العقول ما يستحقون به العذاب، واستحقاق العذاب دليل الاستقلال، ولكن قضى الله تعالى أنه لا يعذب في دنيا ولا آخرة حتى يبعث رسولا يبين تعالى على لسانه ما يريد تعالى وذلك لإقطاع حجة العقلاء من العصاة لئلا يقولوا يوم القيامة ما حكى الله تعالى عنهم: [ ]{ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى}(3) وقال تعالى:[ ] {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ليضل قوما}(1) أي: يحكم عليهم بأنهم ضالون ضلالا يوجب عليهم العذاب قال تعالى:[ ] {بعد إذ هداهم} بالعقل ما يدركون حسنه بالعقل كمعرفة الله تعالى ووجوب شكره وأن لا يعبدوا غيره ويدركون قبحه بالعقل من الجحد للمنعم -تعالى- والإخلال بشكره وعبادة غيره قال تعالى:[ ] {حتى يبين لهم ما يتقون} أي: يوضحه تعالى أي: يوحي تعالى ويفصل تعالى لهم ما قضت عقولهم على سبيل الجملة لوجوبه من شكره تعالى ويبين تعالى الآيات المثيرة لدقائق العقول فيعرفونه تعالى حق معرفته، وتدل الآية الكريمة على أنه يستدل بالقرآن على معرفة الصانع -تعالى؛ لأنه تعالى لا يعاقب على ترك ما استقل به العقل من معرفته تعالى إلا بعد التبيين بالسمع، فقال تعالى نافيا للحكم عليهم بالضلال الموجب للعذاب على سبيل العموم بعد الهداية بالعقل الكامل:[ ] {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون}(2) ولم يفصل تعالى بين معرفته وغيرها في أنه تعالى [14أ]لا يعذب إلا بعد السمع، فدليل السمع من جهة معرفة الله تعالى قسيم دليل العقل وشرط في كماله والله أعلم فيبطل قول من زعم أن القرآن لا يستدل به على معرفة الله تعالى.
قالت المعتزلة: العقل مجموع علوم عشرة(3).
قلنا: هي دليل على العقل وليس الدليل هو نفس المدلول عليه بالإجماع.
وقالت: الطبائعية هو طبيعة(4).
صفحة ٥٧