محزنة لأنها صفراء كالموتى، ومفرحة لأن هذه الصفرة ذاتها كانت مثال هيئة ملائكية وجمال غريب وهي مغمضة العينين، وقطرات العرق كحب من اللؤلؤ المنثور على جبهتها، ولما لم يشأ إزعاجها مشى بهدوء مفتشا عن جميلة التي وجدها في المطبخ تعد لها طعاما.
فقال مبتسما: قد أتيت لبديعة ببشارة حسنة فوجدتها نائمة. فقالت هذه بلهفة: وما هي؟
أجاب: إن نسيبا ولوسيا قد غادرا هذه المدينة إلى نيويورك لأجل السكن هناك.
فخرت تلك الفتاة المسكينة عند قدمي الشاب وقبلت الأرض قائلة: أشكرك يا الله فإن عزيزتنا قد أبلت مرضها.
فقال وهو معجب بإخلاصها: لا عدم هذا الإخلاص الشريف من البشر.
أجابت: إنني لا أكافئ بديعة بأضعاف أضعاف هذا الإخلاص لو كان لي.
فقال: لا غرابة فإن الجزاء الحق من جنس العمل، وبديعة مخلصة، وكلتاكما أهل لهذا الحب.
قالت: أطلب من الله أن يستجيب قولك فيقدرني على إنقاذ بديعة من المرض كما أنقذتني هي من الموت غرقا. فظهرت على وجه أديب لوائح الاندهاش وقال لها: من الموت غرقا؟
قالت: نعم. وقصت عليه قصتها بتمامها، فلما فرغت قال الشاب متأسفا: إن مصيبتك ومصيبة بديعة متشابهتان، ومن الظلم أن يكون هذا جزاء فتاتين شريفتين من البشر.
فتنهدت جميلة وسكتت؛ لأنها كانت تسكت أكثر مما تتكلم في أغلب الأحيان، وفي برهة سكوتها سمعت صوت بديعة تناديها فهرولت مسرعة إليها وتبعها أديب والفرح باد على وجه الاثنين، ولم تقدر جميلة على كتمان ذلك الأمر المفرح عن بديعة فأكبت على عنقها وقبلتها قائلة: قد أتاك أديب ببشارة تسرك وتشفيك إن شاء الله.
صفحة غير معروفة