هو أولئك النساء اللواتي إذا أحببن رجلا شريفا طاهرا يسلمنه قلوبهن بكل عواطفها لحسن طويتهن، ويحسبن بأن الرجال لا يجهلون المثل القائل: «كما تعطي أطلب.» ولذلك فلثقتهن بمبادلة الرجال فهن هذا الأمر لا يصدقه فيهم قول قائل، وهذا نوع من ثقة المرأة.
والقسم الثاني:
هو أولئك النساء اللواتي تتخذن كل واسطة من التحذر والاختبار لاختيار من يصادقن سواء كان رجلا أم امرأة، ومتى فعلن هذا عن اختيار وروية يعرفن من يحببن أكثر من الغير، فيضحكن من قول ذلك الغير فيه لعلمهن بأن مصدر القول إما فساد وإما جهل.
والقسم الثالث:
هو النساء اللواتي إذا سمعن قول أحد في من يحببن لا يكترثن له إلا بعد تحققه، فإن كان صادقا لا يعلمن غير نفوسهن به خوف الشماتة، وإن كان كاذبا نبذنه. ففي المظهر الأول تتجلى المرأة على سور البساطة الطبيعية طاهرة القلب نقيته، ذات ثقة شريفة وإن خدعت أحيانا جزاء نقاوة قلبها. وفي النوع الثاني تظهر بمظهر التعقل والرزانة والنشاط والاستقلال. وفي النوع الثالث تتجلى المرأة بأجمل الفضائل، وهي المعرفة والأمانة والشجاعة، فتسمع وشاية الوشاة، ومتى اختبرته فإن رأته صادقا عرفت كيف تتحذر بدون أن تعلم أحدا، وإن وجدته كاذبا احتقرته وبقيت على حالها. وعلى الحالين يجب حفظ عهد الصداقة؛ لأنه شريف في حالي الرضى والسخط.
فقال نسيب معجبا بقوة عارضة وشجاعة تلك الفتاة: ومن أي قسم أنت؟ - من القسم الأخير بدون شك. إنني، وإن يكن كلامك كحراب من الاحتقار والتهكم تطعن قلبي، فأنا أصفح عنه راضية مختارة؛ لأنه صوابي وطلي وحلو.
ولما وصل إلى هذا الحد صرخ الحوذي: الضبية، يا سيدي نسيب.
فقال له: «حاسب» إذن. والتفت إلى بديعة وقال: لا أتجرأ على سؤالك للنزول والاستراحة قليلا. ولكنني أتجرأ على القول بأنه إذا تبين لك كل شيء واختبرت صدق كلامي، فهل أكون سعيدا بالأمل بأنك ... بأنك تحبينني ...
فأجابته بديعة بهدوء: لكل مقام مقال يا خواجة نسيب، فأستودعك الله الآن. ثم جرت العربة ببديعة التي جلست براحة وحدها، وتنهدت كأن عبئا ثقيلا قد أنزل عن قلبها، ولم تكترث لكلام نسيب الحبي أبدا؛ لأنه لم يؤثر بها، وما لا يؤثر بالنفس لا يعيره الإنسان التفاتا. ولكنها كانت تشعر بكره داخلي لذلك الشاب، وكانت صورته مرافقة لصورة فؤاد التي كانت أمام نظرها دائما وهي لم تعرف للأمر سببا.
الفصل العاشر
صفحة غير معروفة