ومن المعلوم أن العبرة في المدارس بأهلها المتوالين بأمرها ، القائمين بلوازمها ، من تدريس وغيره ، دون الباني الذي أسسها ، إذ البناء لا يؤثر في المطلوب ، وإنما يؤثر من تصدى فيه لذلك ، والجهل بما تفيده مدارس النصارى من كفرياتهم أولى وأسلم من العلم والإطلاع عليه ، فإن الجاهل به سليم العقل صحيح الإعتقاد كامل التوحيد ، كما عليه الحال في عوام المسلمين ، والعالم به المطلع عليه ربما يفضي به الحال إلى الشرك بعد الإسلام ، وهو لا يدري ، وربما أورثه الشك في عقيدته ، والطعن في سلفه ، وربما أورثه موالاة أعداء الله ومعاداة أولياء الله ، فيكون حكمه حكم من تولى لقوله تعالى : (( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ويحشر معهم يوم القيامة )) ، وللحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أحب قوما حشره الله في زمرتهم )) رواه الطبراني والضياء عن أبي قرصافة .
وقد تنبه علماء الملة الإسلامية على مكائد النصارى ومطالبهم من هذه المدارس ، فنبهوا عليها الناس ، وأزالوا عنهم الإلتباس ، وحذروهم من الوقوع في شرورها ، وألف في ذلك الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني تأليفا سماه ( إرشاد الحيارى في تحذير المسلمين من مدار النصارى ) ، حيث قال في الفصل الثالث منه ما نصه : وانظر أيها المسلم العاقل رحمك الله وأرشدك إلى ما فيه رصاه إلى اجتهاد الدول الإفرنجية في فتح المدارس في بلاد الإسلام وإنفاقهم عليه النفقات الكثيرة على ممر الشهور والأعوام ، واعتنائهم بشئونها الاعتناء التام ، أتراهم يا أخي يفعلون ذلك شفقة منهم على ابنك المسلم ، ليس من ملتهم ولا دولتهم ، وحرصا على نجاحه ، كلا ، والله لا يفعلون ذلك إلا لمقاصد مهمة، وفوائد لهم كثيرة جمة تقابل نفقاتهم وأتباعهم أضعافا مضاعفة - وهي كلها عليك وعلى ابنك وعلى دينك ، وأهل ملتك .
صفحة ٦