وانظر أيضا إلى أغنياء المسلمين ، تجدهم من التجار ، أهل البيع والشراء ، والأخذ والعطاء ، وجلهم أو كلهم لا يعرفون هذه اللغات ، وهم في كمال الرفاهية ، ورفعة الجاه ، وعلو المنزلة ، وسعة العيش ، مع حفظ الدين والدنيا ، فالرزق إذا والجاه ، لايتوقف واحد منهما على معرفة هذه اللغات ، فقد ظهر أنها غير متكفلة بسعة الرزق وعلو المنزلة في الدنيا ، بل الغالب عكس ذلك فيمن مهروا فيها ، وصرفوا أكثر أوقاتهم في تعلمها والتوسع فيها ، لأن هذه الأوقات الطويلة التي صرفوها في سبيلها ، لو صرفوها في الشغل في التجارة وأسباب الكسب ، لربما حصلوا من المال ما استغنوا به عن كونهم معلمين في المدارس ، أو كونهم كتابا عند بعض التجار بمعاشات قليلة، فعلم ذلك ، وإياك أن تضل ولد وإياك ، والله يتولاك .
وقال في الفصل السابع عشر : اعلم أيها المسلم الجاهل المجنون ، لا العاقل الذي خاطر بدين ولده ، فوضعه في هذه المدارس ، إني والله الذي لا إله إلا هو لو أعطيت الدنيا بحذافيرها على أني أختار لنفسي أو ولدي الكفر ، لا أفعل . وهكذا كل مسلم ن فإذا لم يكن كذلك لا يكون مسلما ، وقد اخترت أنت الكفر لنفسك ولولدك بدون مقابل ، وعل وهم أن ولدك يحصل له شيء من المال والجاه ، بسبب ما يتعلمه بهذه المدارس النصرانية من اللغات الإفرنجية ، والعلوم الدنيوية مع أنك إذا نظرت نظر تحقيق - لم تر من كل مائة شخص من هؤلاء التلاميذ والعلوم ، مع ذلك تكدرت مشاهدة بصرك وعلمك ، الصحيح تصدق الشيطان وإخوانه ، وشرهم نفسك التي بين جنبيك ، فيما يسولونه لك من هذه الأوهام التي أضعت بها منك ومن ولدك دين الإسلام الذي لا يعادله شيء من الدنيا وما فيها من الحكام ، وإذا لم يؤثر فيك أيها الجاهل هذا الكلام ، فلا لوم علينا إذا قلنا أنك لست من ذوي الأحلام ، وعلى من اتبع الهدى لا عليك السلام .
صفحة ١٣