============================================================
هذا الذي يظهر أنه جنح إليه عمر ومن وافقه، قبل أن يبلغهم الحديث المرفوع، فلما بلغهم جاء مطابقا لما اختاروه. فلأجل ذلك قال من قال: إنما رجع عمر لأجل حديث عبدالرحمن(1)، لا لأجل ما اقتضاه نظره. والحق آنه هم آن يرجع، فلما بلغه الخبر استمر عزمه، كما تقدم تقريره.
0) وأما الذين خالفوا رأي عمر في ( ذلك، قبل أن يبلغهم الخبر، فسلكوا سبيل التوكل: المحض، مع قطع النظر عن الأسباب؛ وهو مقام شريف يناسب مرتبة: خيار الصحابة، ولهذا كان الكثير من المهاجرين والأتصار على هذا الرأي، ولم يجنح إليه أحد من مشايخ قريش، وانما وافقهم عمر- وإن كان من كبار المهاجرين- لأنه غلب عليه النظر في مصالح المسلمين، وذلك لا يتم إلا بالنظر في الأسباب، والعمل بالراجح منها، مع اعتقاد أن الأمور كلها بتقدير الله وقد وزد في ذلك حديث: "اعقلها وتوكل"، اخرجه الترمذي وغيره.
ثم ساق الطحاوي من طريق(4) زيد بن أسلم، عن أبيه قال؛ قال عمر رضي الله عنه: اللهم إن الناس تحلوني (3) ثلاث خصال، وأنا أبرزأ إليك منهن؛ زعموا أني فررت من الطاعون، وأنا أبرأ إليك من ذلك . . وذكر الطلاء والمكس(1)، وسنده صحيح. قال: قدل على أن رجوعه كان لغير الفرار، وكذا كتابه إلى آبي عبيدة، فيما أمره به من خروجه هو ومن معه من الجند؛ إنما هو بمعنى التداوي بالانتقال من (1) بعدها في ظ: ابن عرف.
(2) قوله: (الطحاوي من طريق) ليس في ف.
(3) ف: انحلوني- كلاهما صواب.
(4) الطلاء: القطران والخمر، وكل ما يطلى به، والمقصود الثاني. والمكسن: دراهم كانت تؤخذ من بائغي السلع في الأسواق في الجاهلية، او درهم كسان يأخذه الصدق بعد فراغه. من الصدقة - قاموس.
284
صفحة ٢١٥