65

باب القمر

تصانيف

صلى الله عليه وسلم

وعلى عاتقه، ولكنه مع ذلك لم يلتفت إليه فازداد غيظ أبي جهل، وصار يشتم بغير حساب ولا وعي، وكأنه استشعر قبح موقفه فتلفت فإذا هو يرى الجارية تتأمله، ورآها مغيظة منه محنقة عليه فقال لها متهكما: لا بأس عليك يا فتنة! ما لي أراك محنقة علي، وعهدي بك لطيفة ظريفة! وحقك ما خطر على بالي أن لك فيه هوى.

4

قالت: قبحت! وحق الله إنه لهو التقي النقي العفيف البار الذي لم يهمم بريبة. إنه لأطهر خلق الله جميعا، وأنزههم نفسا، وأعفهم عينا، وأكرمهم عند الله، ولتراب نعليه أشرف من هامتك، ولهو سيد أهل الجنة، ولأنت أحقر من في النار.

فلما سمع هذا الشتم المقذع كاد يتميز من الغيظ، وطار لها ينتقم منها، ولكنها وقفت له والشرر يتطاير من عينيها فيحرقه كما تقف اللبؤة تدفع عن نفسها. حتى إذا دنا منها دنت منه وهبشت وجهه فخمشته بأظافرها وصرخت في وجهه؛ فارتد مذعورا إلى حيث كان، ومضى في طريقه.

وفيما هي تلهث مضطربة من أثر العراك والغضب، وقد جلست على عتبة بابها مستعبرة سمعت وقع أقدام آتية من حيثما أتى أبو جهل من جبل أبي قبيس؛ فالتفتت فإذا هو رجل ربعة أسود العينين عريض ما بين المنكبين ذو هيبة ووقار، قد تقلد سيفا وتوشح قوسا واستظهر كنانتين، وقد اغبر وجهه كأنما هو آت من سفر؛ فأدركت على الفور أنه أسد قريش حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله، كان عائدا من الصيد، وذاهبا إلى البيت؛ ليطوف به على عادته أن يلتمس داره، وليحيي إخوانه من عظماء قريش في أنديتهم هناك، فلما دنا منها استوقفته تقول له: واضيعة النجدة فيكم اليوم يا أبا عمارة! قال وقد وقف: قبح القول وصاحبته! ما خطبك يا أمة ابن جدعان؟ قالت: أئذا خالفتم أخاكم فيما أراد من هدايتكم والاحتفاظ بكرامتكم أنكرتموه! ورضيتم له الأذى حتى من سفهاء بني مخزوم! قال: ويحك ماذا حدث؟ قالت: لو رأيت ما لقي محمد ابن أخيك من أبي الحكم بن هشام وهو مار من هنا ... آذاه وسبه وشتمه وهو ماض في هذا الدرب، ورمى عليه التراب والروث.

5

فقال لها حمزة: أنت رأيت هذا الذي تقولين؟ قالت: نعم، وسمعته، والله على ما أقول شهيد. فاحتمل حمزة الغضب

5

وسار حتى دخل المسجد يطوف على عادته، فرأى أبا الحكم جالسا في القوم فأقلع عن طوافه، وأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس وضربه بها فشجه شجة منكرة سالت على أثرها الدماء حتى خضبت وجهه، ثم قال له: أتشتم ابن أخي إذ يعف عنك لسانه، وتؤذيه إذ يرجو لك الخير!

صفحة غير معروفة