47

باب القمر

تصانيف

كان الرجل روميا من أهل بيزنطة يدعى باقوم،

2

وكان رجلا وديعا طيب الخلق في الخمسين من عمره. بدأ حياته بناء في القسطنطينية، فلما تولى الإمبراطور موريقس

3

ود أن يستغني عن مسترزقة الجند من الصقالبة والأرمن والعرب بجنود من أبناء الروم أنفسهم، فكان باقوم أحد هؤلاء.

وبقي باقوم عشرين سنة في الجندية لم ير فيها خيرا، ولم يتزوج، ولم يستقر بمكان إلا يوم أسعده القدر فكان من حرس أحد قصور الإمبراطور، ولكن هذه السعادة لم تطل، فقد قتل الإمبراطور بعد تعيينه في الحراسة بقليل، ودارت الدائرة على أقرب الجند إليه، وإذ كان باقوم أحد هؤلاء الأقربين في نظر الثوار فقد كان أوشك أن يذهب ضحية هذه الأوهام لولا أنه اختبأ، وفر قبل أن يكشفوا مكمنه.

فر إلى الإسكندرية، وهناك عاد إلى صنعته الأولى فكان بناء ثم كان متعهد بناء، ومن ثم اتصل ببناة الكنائس والبيع ومنهم أنستاسيوس بطريق اليعاقبة الذي عهد إليه في بناء الكنيسة التي كان ذاهبا إلى الحبشة بالأدوات اللازمة لإقامتها.

وعاد الوفد به إلى مكة وأروه الكعبة التي يريدون هدمها بعد ما تصدعت، وبناءها من جديد. وطلبوا إليه أن يدبرهم في أمرها، ويستقدم لهم بناء من مصر مع الخشب الذي سيرسل في طلبه بدل ما أخذوه منه، وعرضوا عليه أجرا كريما لهذا البناء.

لم يكن باقوم قد أخبرهم من أمره إلا بأنه متعهد أعمال، فلما رأى العرض وجيها، وأن مدة انتظار مجيء سفينة إليه من مصر تكفي لبناء الكعبة أعلن أمره إليهم، واستعداده لبناء الكعبة لهم.

على أن الكعبة لم تكن تتطلب من الرجل في بنائها خبرة ممتازة بالبناء، ولا فنا دقيقا؛ لأنها لم تكن إلا بيتا من غرفة واحدة أبعادها عشرة أمتار في عشرة تقريبا، ولعل أصعب ما كان فيها هو تعريش كل تلك المساحة بسقف من الخشب، ولذلك استأذنهم في أن يقيم في باحتها أعمدة ستة تحمل السقف. فلما وافقوا على بناء الأعمدة، وحدد يوما للشروع في البناء أهدوا ونحروا، ودعوا وصلوا، ورتبوا للخدمة فيها أبناء قريش الأكرمين؛ إذ هم أحق بهذا الشرف من سائر قبائل العرب، ولذلك كنت ترى بينهم من بني هاشم أصحاب السقاية: أبا طالب والعباس وحمزة ومحمدا

صفحة غير معروفة