قلت أيتها الحبيبة إني (متوحش) فإني كذلك: وإني لمتسعر الدم من حبك بفظاعة تجعله كأنه دم وحش فائر تتنزى به نوازيه للوثبة، ولن يكون الحب القوي إلا متوحشا؛ لأنه ثورة قذفت في الدم الإنساني فيرتج فيه تاريخ القتال الوحشي الذي ينام في دمنا من إرث أجدانا، فإذا معركة مرسومة لامتلاك الحبيب لم يصنع فيها العاشق أكثر مما يصنع القائد إذا نشر خريطة حرب كانت عنده مطوية.
ومن العجب أن هذا الوحش النائم في الدم لا ينبهه إلا أجفى المعاني وأغلظها في سورة الغضب وجنون الغيظ، أو ألطف المعاني وأرقها في جمال الحب وخلاعة الجمال.
فالعاشق الرقيق على فرط رقته، هو لفرط رقته وحش في عاطفة الحب: ما منه فكر لو فتش إلا فتش عن معنى يفترس إذ يشعر بالحياة في نفسه لا غذاء لها إلا بمعاني حبيبته، فيأكلها حتى بالنظر، ويفترسها حتى بالخاطر!
ولو أننا تمثلنا أسدا غرثان يطوي البر أياما، وهو يهفو على أثر خيال من أخيلة جوفه، ولكنه لا يجد الفريسة، حتى إذا انصفق جنبه على جنبه الآخر من الجوع فتقت له الهواء رائحة ظبية من قريب، ثم تمثلنا مع هذه الصورة عاشقا مجفوا نالته نسمة من قبل حبيبته أو نفحته رويحة من عطرها، ثم ترجمنا ما أفز الأسد من معاني الظبية إلى ترجمة إنسانية، لكانت وحشية الليث في هذه الحالة هي بصورتها لهفة العاشق ولوعته، إلا أن ذلك معنى في وحش، وهذا معنى في إنسان.
ويخيل إلي أن محبا لو قبل حبيبته بتلك اللهفة، أي بتلك الوحشية؛ لجاز لها أن تتهمه قانونا بتهمة الشروع في أكلها.
4 •••
وقلت لك: أنت (متوحشة)، وإنك لعلى ذلك، فإن جمالك لهو أرق الوحشية وأدقها وأخفاها، ولا برهان لي عليك إلا أنك دائما تساورينني في قلبي مساورة ظهرت في قلبي جراحاتها ... وعلى كبدي منها الصوادع.
5
ولك صولة على وحشية وأنت بها غالبة أبدا، حتى لا أستطيع في مغالبتك أكثر من أن أجعل خضوعي أحيانا في صورة مقاومة ...!
والحياة تدل بالوحش على أنها آكلة هاجمة مصممة غير رحيمة، وأنها الشدة تحت مس لين، وأنها القوة الغازية معبأة في إهاب، وأنها أسلحة قاطعة من اللحم والدم، فيا ليت شعري عنك، هل دلت الحياة بجمالك الفتان إلا على رقة قاتلة، ولين مهلك، ولطف معذب، ومعان كالأسلحة في لحمي ودمي؟
صفحة غير معروفة