مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سوآتهم هجرُ
وكان الوجه رفع سوآتهم ونصب هجر، لأن السوآت هي التي تبلغ هجر.
(ومنه) قول كعب بن بانت سعاد:
كأنّ أوب ذراعيها إذا عرقت ... وقد تلفّع القور العساقيلُ
القور (بالضم): جمع قارة، وهو الجبل الصغير. والعساقيل هنا: السراب ولا واحد لها. والوجه كما تلفعت القور بالعساقيل، أي صار السراب للأكم مثل اللثام.
(ومنه) قول النابغة الجعدي:
حتى لحقناهم تعدى فوارسنا ... كأنّنا رعن قفّ يرفع الآلا
أي تعدى فوارسنا الخيل فحذف المفعول اختصارًا. ورعن القف نادر يندر منه. والقف: ما ارتفع من الأرض. والآل: السراب، شبه حركتهم في عدوهم بحركة القف في الآل، لأن الجبال فيه يخيل للناظر أنها تضطرب. فكان الوجه كأننا رعن قف يرفعه الآن، كذا في أدب الكتاب لابن قتيبة والأضداد لأبي الطيب اللغوي وشرح بانت سعاد لابن هشام. وقال ابن السيد في شرح أدب الكتاب: «قال الأصمعي: إنما قال يرفع الآل لأنه ينزو في الآل فإذا نزا فكأنه قد رفع الآل، يريد أنه لا قلب في البيت كما قال ابن قتيبة» .
(ومنه) قول خداش بن زهير:
وتركب خيلٌ لا هوادة بينها ... وتشقي الرماح بالضياطرة الحمر
الضياطرة: واحدهم ضيطار، وهو الضخم الذي لا يغني شيئًا. والبيت عندهم من المقلوب، إذ الأصل: وتشقى الضياطرة بالرماح، أي يقتلون بها. وقيل: لا قلب لجواز أن يكون عنى أن الرماح تشقى بهم، أي أنهم لا يحسنون حملها ولا الطعن بها. وقال علم الدين السخاوي في سفر السعادة: «زعموا أنه مقلوب، وأن وجه الكلام: وتشقى الضياطرة بالرماح، وأحسن من هذا أن يكون غير مقلوب وشقاوة الرماح تكسرها فيهم، كما قال:
فتى شقيت أرماحه بعداته ... كما شقيت أرماح زيد بتغلب»
انتهى. وفي هذا البيت رواية أخرى رواها الإمام محمد بن أحمد بن مطرِّف الكناني في القرطين وهي: (وتعصى الرماح) من قولهم: عصى بسيفه يعصى: أي ضرب به. والمراد هنا الطعن، وعلى هذه الرواية لا يصح تخريج ما في البيت إلا على القلب. قال الكناني: «لأن الرماح لا تعصى بالضياطرة، وإنما يعصى الرجال بها، أي يطعنون» .
(ومنه) قول الفرزدق يذكر ذئبًا:
وأطلس عسّال وما كان صاحبًا ... رفعت لناري موهنًا فأتاني
قال المبرد في الكامل: «قوله: رفعت لناري من المقلوب، وإنما أراد رفعت له ناري، والكلام إذا لم يدخله لبس جاز القلب للاختصار» ثم قال: «ويروى: أن يونس بن حبيب قال لأبي الحسن الكسائي: كيف تنشد بيت الفرزدق:
غداة أحلّت لابن أصرم طعنةٌ ... حصينٍ عبيطاتِ السدائفِ والخمرُ؟
فقال الكسائي: لما قال: غداة أحلت لابن أصرم طعنة حصين عبيطات السدائف تم الكلام، فحمل الخمر على المعنى، أراد: وحلت له الخمر، فقال يونس: ما أحسن ما قلت، ولكن الفرزدق أنشدنيه على القلب، فنصب الطعنة ورفع العبيطات، والخمر على ما وصفنا من القلب، والذي ذهب إليه الكسائي أحسن في محض العربية، وإن كان إنشاد الفرزدق جيدًا» انتهى.
(ومنه) قول الفرزدق أيضًا:
فبتنَ بجانبيّ مصرَّعاتوبتّ أفضّ أغلاق الحتام
قال الفارسي: أراد ختام الأغلاق فقلب، كذا في اللسان في مادة (غلق) .
(ومنه) قول ذي الرمة:
وقرّ بي بالزُّرق الحمائل بعدما ... تقوّب عن غربان أوراكها الخطرُ
الزرق: أكثبة بالدهناء. والغرابان من الفرس والبعير: حرفا الوركين. والخطر: ما لصق بالوركين من البول. وتقوب الجلد: تقشر قال صاحب اللسان: «أراد تقوبت غربانها عن الخطر فقلبه، لأن المعنى معروف كقولك: لا يدخل الخاتم في اصبعي، أي لا يدخل اصبعي في الخاتم» .
(ومنه) قول بعضهم_ونسبه صاحب الوساطة للأعشى_:
وكلّ كميت كأنّ السلي ... ط حيث وارى الأديمُ الشعارا
ففي الوساطة: «يريد حيث وارى الشعار الأديم فقلب الكلام» .
1 / 21