والفدن: القصر. والسياع: (بفتح الأول وكسره): الطين بالتبن الذي يطين به ظاهر الجدار. أراد كما طينت بالسياع الفدن فقلب. والمعنى: إن هذه الناقة امتلأت سمنًا فصارت كالقصر المسيع في الملامسة. واعترض بأنا لا نسلم خلوه من النكتة، لأنه يتضمن من المبالغة في سمن الناقة ما لا يتضمنه قولنا: كما طينت الفدن بالسياع، لإيهامه أن السياع بلغ من العظم والكثرة إلى أن صار بمنزلة الأصل، والفدن بالنسبة إليه كالسياع بالنسبة إلى الفدن، كذا في الهندية للدماميني على المغنى، وفي عروس الأفراح للبهاء السبكي ما نصه: «ويروى: بطنت، كذا رأيته في الصحاح للجوهري وحلية المحاضرة للحاتمي، والتوسعة لابن السكيت وجعله قلبًا وفيه نظر، لأنه يجوز أن يريد أنه جعل القصر بطانة للطين لأنه داخله فلا قلب، وكل ما كان ظهارة لغيره كان الغير بطانة له» انتهى.
(ومما عدوه) من القلب قول القطامى في مطلع هذه القصيدة:
قفى قبل التفرق يا ضباعا ... ولا يك موقفٌ منك الوداعا
لأنه جعل ما هو في موقع المبتدأ نكرة وما هم في موقع الخبر معرفة، فحمل على القلب لتصحيح الحكم اللفظي وصار تقديره: ولا يكن موقف الوداع موقفًا منك، ولو أنه نكر الوداع ما حمل على ذلك.
ومثله قول حسان:
كأنّ سبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسلٌ وماءُ
عند من نصب مزاجها فجعل المعرفة الخبر والنكرة الإسم. وفي البيت تأويلات أخرى تخريجه عن القلب ليس هذا محل ذكرها.
(ومن القلب) قول القائل:
إنّ سراجًا لكريم مفخرهْ ... تحلى به العين إذا ما تجهرهْ
قال السيد المرتضى في أماليه: أي يحلى بالعين فقدم وأخر.
(ومنه) قول الجعدي:
كانت فريضة ما تقول كما ... كان الزناءُ فريضةَ الرجم
والأصل: كان الرجم فريضة الزناء.
(ومنه) قول الآخر:
وقد خفت حتّى ما تزيد مخافتي ... على وعلٍ في ذي المطارة عاقلِ
أراد: ما تزيد مخافة وعل على مخافتي، كذا في أمالى المرتضى.
(ومنه) قول الآخر:
ترى الثور فيها مدخل الظلِ رأسه ... وسائره بادٍ إلى الشمس أجمع
(ومنه) قول الراعي:
فصبّحته كلاب الغوث يؤسدها ... مستوضحون يرون العين كالأثر
يريد أنهم يرون الأكثر كالعين.
(ومنه) قول النابغة الذبياني:
فلا تتركنّي بالوعيد كأنّني ... إلى الناس مطليّ به القار أجربُ
قال الأعلم: «قوله: كأنني إلى الناس، أي في الناس، وقوله: مطلي به القار، أي مطلي بالقار فقلب، ويحتمل أن يكون في مطلي ضمير البعير كأنه قال: كأني بعير مطلي أجرب فيه القار، أو عليه القار» .
(ومنه) قول أبي النجم:
قبل دنو الأفق من جوائزه
أي قبل دنو الجوزاء من الأفق.
(ومنه) قول عروة بن الورد:
فلو أنّى شهدت أبا معاذ ... غداة غدا بمهجته يفوق
فديت بنفسه نفسي ومالي ... وما آلوك إلّا ما أطيق
قال المرزباني: أراد أن يقول: فديت نفسه بنفسي فقلب المعنى.
(ومنه) قول الحطيئة:
فلمّم خشيت الهون والعير ممسك ... على رغمه ما أمسك الحبل حافرهْ
وكان الوجه: ما أمسك الحبل حافره.
ومثله قول المجنون:
يضمّ إلى الليل أطفال حبّكم ... كما ضمّ أزرار القميص البنائقُ
والوجه: رفع الأزرار ونصب البنائق، ولهذا ذكر السيرافي أن بعضهم رواه: (كما ضم أزرار القميص البنائقا) قال: وليس بصحيح، لأن القصيدة مرفوعة. هذا على تفسير البنيقة بالرقعة تكون في الثوب كاللبنة، أو هي لبنة القميص، وقال صاحب اللسان: «وفسر أبو عمرو الشيباني البنائق هنا بالعرا التي تدخل فيها الأزرار. والمعنى على هذا واضح بين لا يحتاج معه إلى قلب ولا تعسف إلا أن الجمهور على الوجه الأول» انتهى.
(ومنه) قول الشماخ:
بانت سعاد ففي العينين ملمول ... وكان في قصر من عهدها طول
قال أبو هلال: «كان ينبغي أن يقول: في طول من عهدها قصر لأن العيش مع الأحبة يوصف بالقصر» ونحوه في الموشح للمزرباني (ومنه) قول أبي ذؤيب:
فلا يهنأ الواشون أن قد هجرتها ... وأظام دوني ليلها ونهارها
قال أبو هلال: هذا من المقلوب، وكان ينبغي أن يقول: وأظلم دونها ليلي ونهاري، ومثله في الموشح.
(ومنه) قول الأخطل:
1 / 20