التوسل أنواعه وأحكامه
محقق
محمد عيد العباسي
الناشر
مكتبة المعارف للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الطبعة الأولى ١٤٢١ هـ
سنة النشر
٢٠٠١ م
مكان النشر
الرياض
تصانيف
ومن الجدير بالذكر أن النبي ﷺ جعل من الغلو في الدين أن يختار الحاج إذا أراد رمي الجمرات بمنى الحصوات الكبيرة وأمر أن تكون مثل حصى الخذف، فعن ابن عباس ﵄ قال: قال لي رسول الله ﷺ غداة العقبة: "هات ألْقِطْ لي". قال: فلقطت له نحو حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: "مثل هؤلاء" – ثلاث مرات – "وإياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين" ١ ذلك لأنه ﷺ يعد مسألة رمي الجمار مسألة رمزية الغرض منها نبذ الشيطان ومحاربته، وليس حقيقية يراد بها قتله وإماتته، فعلى المسلم تحقيق الأمر، ومنابذة الشيطان عدو الإنسان اللدود بالعداء ليس غير، ومع هذا التحذير الشديد من الغلو في الدين، وقع المسلمون فيه مع الأسف، واتبعوا سنن أهل الكتاب، فقال قائلهم:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم
فهذا الشاعر الذي يعظمه كثير من المسلمين، ويترنمون بقصيدته هذه، المشهورة بالبردة، ويتبركون بها، وينشدونها في الموالد وبعض مجالس الوعظ والعلم، ويعدون ذلك قربة إلى الله ﵎، ودليلًا على محبتهم نبيهم ﷺ، أقول: هذا الشاعر قد ظن النهي الوارد في الحديث السابق منصبًا فقط على الادعاء بأن محمدًا ﷺ ابن الله، فنهى عن هذه القولة، ودعا إلى القول بأي شيء آخر مهما كان، وهذا
_________
١ رواه أحمد "١/٢١٥ و٣٤٧" والنسائي وابن ماجه وغيرهم وإسناده صحيح وهو مخرج في كتاب "الصحيحة ١٢٨٣" وتخريج السنة لابن أبي عاصم "٩٨".
1 / 79