التوسل أنواعه وأحكامه
محقق
محمد عيد العباسي
الناشر
مكتبة المعارف للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الطبعة الأولى ١٤٢١ هـ
سنة النشر
٢٠٠١ م
مكان النشر
الرياض
تصانيف
قلت: هذا التأويل باطل لوجوه كثيرة منها: أن الأعمى إنما طلب منه ﷺ أن يدعو له، لا أن يعلمه دعاء، فإذا كان قوله ﷺ له: "وإن شئت دعوت" جوابًا على طلبه تعين أنه الدعاء له، ولابد، وهذا المعنى هو الذي يتفق مع آخر الحديث، ولذلك رأينا الغماري لم يتعرض لتفسير قوله في آخره: "اللهم فشفعه في، وشفعني فيه" لأنه صريح في أن التوسل كان بدعائه ﷺ كما بيناه فيما سلف.
ثم قال: "ثم لو سلمنا أن النبي ﷺ دعا للضرير فذلك لا يمنع من تعميم الحديث في غيره" قلت: وهذه مغالطة مكشوفة، لأنه لا أحد ينكر تعميم الحديث في غير الأعمى في حالة دعائه ﷺ لغيره، ولكن لما كان الدعاء منه ﷺ بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير معلوم بالنسبة للمتوسلين في شتى الحوائج والرغبات، وكانوا هم أنفسهم لا يتوسلون بدعائه ﷺ بعد وفاته، لذلك اختلف الحكم، وكان هذا التسليم من الغماري حجة عليه.
رابعًا: أن في الدعاء الذي علمه رسول الله ﷺ إياه أن يقول: "اللهم فشفعه في" ١ وهذا يستحيل حمله على التوسل بذاته ﷺ، أو جاهه، أو حقه، إذ أن المعنى: اللهم اقبل شفاعته ﷺ في، أي اقبل دعائه في أن ترد عليَّ بصري، والشفاعة لغة الدعاء، وهو المراد بالشفاعة الثابتة له ﷺ ولغيره من الأنبياء والصالحين يوم القيامة، وهذا يبين أن الشفاعة أخص من الدعاء، إذ لا تكون إلا إذا كان هناك اثنان يطلبان أمرًا، فيكون أحدهما شفيعًا للآخر، بخلاف الطالب الواحد الذي لم
_________
١ هذه الجملة هي عند أحمد أيضا والحاكم وغيرهما وإسناده صحيح.
1 / 72