-صلى الله عليه وسلم- بتوقيف لهم على ذلك، وأن هذه الآية عقب تلك الآية، فثبت أن سعي الصحابة في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه؛ فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب الذي هو في مصاحفنا الآن، أنزله الله جملة واحدة إلى سماء الدنيا؛ كما قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} [البقرة: 185] وقال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] ثم كان ينزل مفرقا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مدة حياته عند الحاجة؛ كما قال تعالى: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} [الإسراء: 106] .
فترتيب النزول غير ترتيب التلاوة؛ وكان هذا الاتفاق من الصحابة سببا لبقاء القرآن في الأمة، ورحمة من الله على عباده، وتسهيلا وتحقيقا لوعده بحفظه؛ كما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] وزال بذلك الاختلاف، واتفقت الكلمة.
ولقد كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة، كانوا يقرءون القراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان زيد قد شهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات؛ ولذلك اعتمده الصديق في جمعه، وولاه عثمان كتابة المصحف.
وروي عن علي -رضى الله عنه- أنه قال: رحم الله أبا بكر! هو أول من جمع بين اللوحين، ولم يحتج الصحابة في أيام أبي بكر وعمر إلى جمعه على وجه ما جمعه عثمان؛ لأنه لم يحدث في أيامهما من الخلاف فيه ما حدث في زمن عثمان، ولقد وفق لأمر عظيم، ورفع الاختلاف وجمع الكلمة، وأراح الأمة.
وقد قال علي رضى الله عنه: لو وليت ما ولي عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل1.
صفحة ١١