قالت: إني لا أزال ابنتك الحقيرة، وروحي بيدك إلا ... فغضب الباشا وانتهرها قائلا: قلت لك دعينا من الاستثناءات، وعليك بترك الحقد والتمسك بالإخلاص.
فقالت: ها إني قد أخلصت، وهل تظن أني أريد بهذا الرجل سوءا، حاشا لله! ولكن ماذا يترتب على هذا الإخلاص؟
قال: متى تأكدت إخلاصك أخبرك ماذا يترتب عليه في فرصة أخرى، فانهضي الآن واغسلي وجهك، وخففي روعك، ودعي عنك الهواجس. إنها مجلبة للسقام. إلى متى تعلقين آمالك بحبال الهواء، وإني لأعجب من هذا العناد بعد أن سمعت بأذنك عندما سألنا شفيقا عن مذهبه ووطنه، فلم يقدر أن يحقق لنا ما إذا كان مسلما أو غير مسلم، ولا ما إذا كان من الشام أو مصر، فافرضي أنه حي، فهو ليس من أمثالنا، ولا يجب أن نعلق به آمالنا.
فكان هذا القول في قلب فدوى كالسهام، ولم يزدها إلا ولعا بشفيق، ولكنها نهضت وغسلت وجهها وهي عالمة بما يضمر والدها ، وقد أغضت عنه اختصارا للمقال، وتخلصا من القيل والقال، وأضمرت في باطن سرها الإصرار على عزمها مهما حال دون ذلك من الأهوال.
الفصل الثاني والسبعون
المانيتزم أو النوم المغناطيسي
فلما رأى منها ذلك انبسط وجهه؛ ظنا أنها وافقته، وقد تجددت آماله بالاستيلاء على أموال عزيز، وخرج إليه فإذا هو في انتظاره في غرفة الاستقبال، فلما رآه وقف احتراما له، ولما رآه منبسط الوجه استبشر بنيل مبتغاه، ولكنه لم يفاتحه بشيء.
أما الباشا فلم يمكنه إخفاء عواطفه فقال: يظهر أنها لانت، ولكنني لا أصدق مواعيدها؛ لأنها لا تزال تذكر ذلك الشاب.
فقال عزيز مراوغا: لا يمكننا تعنيفها على ذلك؛ لأن محبته تمكنت من قلبها وهو شاب قريب من القلب، ولكن ما الحيلة فقد مات، وعلينا أن نسعى إلى تعزيتها وتسليتها عن محبته؛ لئلا تضر بصحتها.
فقال الباشا: لقد نطقت بالحق؛ إذ لا فائدة من محبته متى صار في عداد الأموات، ولكني لا أعلم كيف أبغضه إليها.
صفحة غير معروفة