قالت: «بارك الله فيك، ونطلب إليه تعالى أن يعافيها لتستطيع الخروج غدا.»
ثم عادت بربارة وهي لا تدري كيف تبلغ الخبر إلى سيدتها، وكانت أرمانوسة كلما سمعت صوتا أو طرقا اضطربت حواسها لشدة تأثرها، فلما طرق الباب وخرجت بربارة ابتدرتها - حين عادت - بالسؤال عما حدث، فحاولت مغالطتها ولكنها لم تقتنع بغير الحق، فلما رأت إصرارها على معرفة الحقيقة قالت لها: «اجلسي يا سيدتي لأطلعك على جلية الخبر، ولكني أرجو منك أن تتمسكي بالحزم، وتتعلقي بأذيال الصبر كما هو دأبك، فإن أهل مصر ما برحوا يتحدثون بتعقلك وثباتك ودرايتك ، فلا تطلقي لعواطفك العنان لئلا تزيدي الخرق اتساعا، فنكون في شر فنقع في أعظم منه.»
فقالت أرمانوسة: «لا تذكري التعقل والحزم، فإن عواطفي غلبت على كل تعقل وحزم، ولا أراني قادرة على ضبطها، ولكن أكملي، ماذا تريدين مني؟»
قالت: «أريد منك أن تتجملي بالحزم وتتمسكي بالصبر وتصغي لما أقول.»
قالت: «قولي.»
قالت: «اعلمي يا مولاتي أن سيدي والدك قد أمر بأن تذهبي مع يوقنا، وهذا أرسل رسوله إلى الحاكم، فأعد معدات الاحتفال بخروجك إليه اليوم، ولكنني أمهلته إلى الغد بدعوى توعك صحتك. وسيدي أركاديوس لا بد أن يكون قد بلغه كتابي، وإذا لم يصل إليه فسيسمع خبر يوقنا من أبيك أو أحد أتباعه أو من سيدي أرسطوليس لأنه صديق له، ولا شك أنه حالما يسمع الخبر يأتينا على جناح السرعة، وهو كفيل بإنقاذك، والأمر عند ذلك في يده، فإذا لم يستطع إنقاذك فالأمير قسطنطين أبقى لك.»
فلما سمعت أرمانوسة اسم قسطنطين ارتعدت فرائصها وقالت لها: «لا، لا تذكري اسمه. إن النار أحسن عندي من جواره.»
قالت: «لا أقول لك أن تؤثريه على البطل أركاديوس، ولكنني أريد أن تمسكي الحبل من الطرفين، وأخشى أنك إذا صرحت بعدم رضائك بقسطنطين، وأمسكت عن العمل برأيه، أن يغضب عليك، وربما أخذك بالعنف، وقد يتفق أن لا يأتينا أركاديوس على عجل، أو يأتي ولا يستطيع الدفاع عنك، فماذا تكون النتيجة؟ أما إذا أظهرت القبول وسرت إلى معسكر يوقنا فإننا نطاوله ونطلب إليه الانتظار هنا مدة، ونبعث رسولا مستعجلا إلى سيدي أركاديوس بصريح الخبر، فلا يمضي يومان أو ثلاثة حتى يأتي لإنقاذك. هذا ما أراه والأمر لسيدتي.»
فبهتت أرمانوسة وأخذت تفكر فيما سمعته من بربارة، فإذا هو عين الصواب، ولكن العواطف كانت تسيطر عليها فلم تجب.
فقالت بربارة: «ما بال سيدتي لا تجيبني؟»
صفحة غير معروفة