أرمانوسة المصرية

جرجي زيدان ت. 1331 هجري
123

أرمانوسة المصرية

تصانيف

فنصحا له بألا يلقي بنفسه فيما هو في غنى عنه، فأصر، وبعث إلى مارية ووالدها فحضرا فأنبأهما بقصده، فقالا: «نحن نسير معكم أيضا، ثم صلى القسيس وعقد قران مرقس بمارية. •••

خلا أركاديوس بأرمانوسة يتشاوران، فقر رأيهما على الذهاب إلى بلد لا يعرفهما فيه أحد، أما أرمانوسة فإنها لما تحققت أنها أصبحت زوجة أركاديوس، وسكن قلقها عليه، انتبهت وكأنها أفاقت من سبات: كيف تعقد قرانا لا يعرفه أبوها؟ وشعرت أنها أثمت في حق أبيها، وبأنها خرجت من بيته في غيابه، ثم تخيلته وقد جاء منف على أثر ما قاساه في أمر الحرب ولم يجدها في منزله، ولم يعرف أين هي، وقد كانت منذ حداثتها تسليته الوحيدة بعد وفاة والدتها، ولم يكن يهمه شيء لا يهمها، ولولا اشتغاله بالحرب ومعداتها لما فارقها يوما واحدا، فقد كان ينتظر عودته إلى منف بفارغ الصبر ليقضي بقية أيامه بجانبها، فكيف يأتي ولا يجدها، وهي تعلم منزلتها عنده؟ فجعلت هذه الهواجس تجول في خاطرها، وتتجاذبها وهي صامتة، وأركاديوس يفكر في مثل ذلك، لأن حاله تشبه حالها من هذا القبيل، وبعد أن صمتا برهة هب أركاديوس فجأة ورفع يده إلى صدره، وجعل يبحث بين أثوابه كأنه أضاع شيئا ، فنظرت أرمانوسة إليه فرأت البغتة والقلق باديين عليه فقالت: «ما بالك يا حبيبي؟ ما الذي جرى؟»

قال: «لقد أضعت شيئا لا تقل خسارته عن خسارة هذا الحصن.»

قالت: «وماذا عساه أن يكون ذلك؟»

قال: «أضعت الصليب الذي أهديتنيه، وقد كان معلقا في صدري تحت ثوبي حتى ليلة مجيئي إليك، وكنت أخرجه لأقبله وأنا أنزع ثيابي للرقاد، ووضعته أمامي، ثم جاءني رسولك على عجل، فاضطررت إلى المجيء عملا بأمرك، فلبست ثيابي ونسيته هناك، وإني لأتشاءم أن نجتمع ويضيع الصليب؟»

قالت: «وكيف تستطيع الوصول إليه، وفي دخولك الحصن بعد احتلال العرب ما فيه من الخطر؟»

قال: «أرى أن أصطحب مرقس إلى الدير؛ فهم يعرفون أنه من أتباعك فلا يسيئون الظن به، وألبس أنا لباسا مثل لباسه فندخل معا للبحث عن الصليب.»

قالت: «وماذا بعد ذلك؟»

قال: «نضرب موعدا نلتقي فيه في موضع نسير منه إلى حيث نريد.»

قالت: «كيف الفراق بعد الاجتماع؟»

صفحة غير معروفة