وعاد من فوره إلى حوض الياسمين، وشمر عن ساعديه، ووضع ذيل قميصه في فتحة «الصديري»، وبصق في يده وأمسك بالفأس. وقال بصوته الراجف وهو يرفعها: هه، قال بهوات قال، أمال إحنا ما بتخدناش الدبحة ليه؟ دا كان زمان الواحد ادبح، وشبع دبح.
وهوى بالفأس في ضربة قوية مزقت الأرض.
مشوار
كانت «مصر» إذا جاءت سيرتها في حديث عابر يرتج على الشبراوي، ويرى أنه غير عائش، ويتحسر على ساعة واحدة يقضيها في القبيسي أو عند المعلم أحمد في الترجمان، ويجتر شوقه إلى حفلة من حفلات النهار في السينما الأهلي، ويرتد عقله بسرعة إلى الأيام الخوالي التي قضاها في الجيش؛ حيث كان يذرع مصر من مشرقها إلى مغربها كل أسبوع.
وغالبا ما كان ينهي الشبراوي لهفته وحسرته وشوقه بأمنية ليس كثيرا على الله أن يحققها، فيهيئ له ظرفا مناسبا، وقرشين حتى يشد الرحال إليها، ويستعيد يوما من أيامه.
وأصبحت الجملة التي يعرفه بها زملاؤه من كثرة ترديده لها: أبيع عمري على ساعة فيكي يا مصر.
ولكنه لم يضطر إلى بيع عمره، فقد أتى الفرج من حيث لا يدري، ومن باب لم يعمل له حسابا قط. فهو جالس في المركز جلسته منذ أربع سنوات، وإذا بجماعة حافلة تدخل، وبعد سؤال وضجيج اتضح أنها امرأة مجنونة من كفر جمعة ومعها أهلها وأقارب الأهل والجيران، وملأ الصراخ المكان، فالتمت الناس وضاق المركز.
ودق قلب الشبراوي في أمل بين ضلوعه، فلا مناص من إرسال المرأة إلى مستشفى الأمراض العقلية في مصر مع «مخصوص»، ومن غيره ينفع أجدع مخصوص؟
ولم تكن ثمة حاجة إلى وساطات أو شفاعات للمعاون. فقد تنصل كل العساكر من المهمة ومن مسئوليتها. وحين تقدم هو إلى المعاون طائعا مختارا انتهى الأمر.
وفي الحال أرسل الواد عنتر صبي البوفيه إلى امرأته يخبرها بسفره، وبأن تجهز له لقمة في منديل، وترسل الخمسين قرشا الصحيحة بأمارة ما هي موضوعة في كيس المخدة.
صفحة غير معروفة