81

أرخص ليالي

تصانيف

وكانت الست الصغيرة تقول في نفس الوقت: ما تقولشي كده يا بابا، دانت تعبان بس، دي لازم الشمس، دي ضربة شمس.

وقال البيه في تبرم خافت: أبدا يا ناس، أبدا، بزي الشمال، الحقوني، هاتو دكتور، بسرعة، الحقوني.

وأسرعت الست الصغيرة إلى الفيللا، بينما أشارت الست الكبيرة إلى الباقين، وتعاونوا في حمله دون أن تتحرك له شعرة، وابتعد الموكب في بطء، وكان يتوقف قليلا، ثم يعود إلى المضي، وكان صوت البيه يضعف قائلا: قلبي، الحقوا ... خلاص.

وكان صوت الست يرتفع قائلا: وطي صوتك، اسكت، الله، اسكت.

أما عبده وكاتب الأنفار وأم حياة، فكانوا واجمين وكأن على رءوسهم الأسى.

وخلف الموكب وراءه عم عبد الله والذهول لا يزال مستحوذا عليه، والخواطر تذهب به إلى اليمين، ثم تسرع به إلى أقصى اليسار، ثم تصطدم وتتبعثر لتتركه حائرا، تائها لا مخرج له.

ولم يمنعه ذهوله من الجلوس.

ولم تمنعه حيرته من أن يخرج علبة الدخان الصفيح من جيب «صيديريه» ويلف سيجارة، ويقدح زناده ويشعلها.

ويبدو أن شدات الدخان راق لها باله، وأزاحت عن كاهله ذهولا وهما، فقد عادت إليه ابتسامته طائعة مختارة.

وبعد أن رمى البقية الباقية من سيجارته، قام وتمشى إلى «السراية»، ولم يبرح نافذة «السلملك»، حتى غادر الطبيب المنزل، واطمأن إلى أن الحكاية جاءت سليمة، وأنه لا ذبحة هناك ولا ضربة شمس.

صفحة غير معروفة