ولكن إذا كانت المعرفة والادراك بالحس والارتياء، والشهوة والارادة والأدب للنفس؛ ومنها حركة الانتقال فى الحيوان، ومنها الغذاء والنماء والضمور، فينبغى أن تعلم إن كان كل واحد من هذه لكلها أو لبعضها. إذا فهمنا 〈هذا〉، أفكلها يفهم ويحس ويتحرك ويفعل ويألم، أو بعض هذه يكون بأجزاء من أجزائها، وغيرها بأجزاء أخر؟ وفى الحياة أيضا نقول كذلك: أفى واحد من هذه الحياة، أو فى أكثرها، أو فى كلها، أو لها علة أخرى؟ — وقد قال أقوم إن النفس ذات أقسام، وإن الجزء الذى تدرك به [معرفة] الأشياء غير الجزء الذى يشتهى به. فما الممسك للنفس إن كانت ذات أجزاء أو أقسام؟ والجرم لا يفعل ذلك بها، بل النفس أحرى أن تكون ممسكة الجرم، وذلك أنها إذا خرجت عنه تحلل ففسد. فان كان الذى فعل النفس فردا شىء غيرها، فذلك أحرى أن يكون نفسا. ثم يحتاج إلى الطلب ليعرف ذلك: أواحد هو أو شىء كثير الأجزاء؟ فان كان واحدا مفردا، فلأية علة لم تجعل النفس واحدة مفردة؟ وإن كان ذا أقسام، فالطلب واجب إلى أن تعلم بالمحيط به الجامع له، ثم تذهب العقول على هذا المجرى إلى ما لا غاية له. وللسائل أن يسأل عن أجزاء النفس فيقول: أية قوة لكل واحدة من هذه التى ذكرنا فى الجرم؟ لأنه إن كانت النفس كلها ممسكة الجرم، فجائز أن تكون الأشياء تمسك شيئا بعد شىء من الجرم. وهذا ما لا إمكان فيه: ولو أردنا أن نبدع فى ذلك قولا فنخبر كيف يمسك العقل جزءا من أجزاء الجرم، اعتاص ذلك علينا أو لم نجد إليه سبيلا.
صفحة ٢٧