الدول وانحطاطها وبالحل الذي كان يبتغيه لها: «فالفضيلة السياسية في الجمهورية»، حسب مونتسكيو، إنما هي «حب الوطن» (٤). وقد تميز الرومان بهذا، إلا أن محبتهم لوطنهم شابها «بعض الشعور الديني» (٥).
بوفاة محمد علي فقد الطهطاوي العطف الذي حظي به في عهده. وكان ابنه إبراهيم باشا، خلفه المختار، قد مات قبله، فخلفه حفيده عباس. فأرسل الطهطاوي، في ١٨٥٠، إلى الخرطوم ليفتح مدرسة فيها. وفي السنة التالية أقفلت مدرسة اللغات التي كان قد رأسها من قبل. واعتبر الطهطاوي أن سنواته الأربع في الخرطوم كانت سنوات نفي، صرفها في ترجمة تلماك فنلون. غير أن تبديل الحاكم أدى إلى تحول في طالعه. فبعد أن خلف سعيد عباسًا في ١٨٥٤، سمح للطهطاوي بالعودة إلى مصر، حيث عين مجددًا رئيسًا لمدرسة ألحق بها مكتب للترجمة. وعندما خلف إسماعيل سعيدًا، بقي الطهطاوي في حظوة، لا بل كان أحد أعضاء الفريق الذي خطط لنظام التربية الجديدة، كما كان عضوًا في عدة لجان. وقد وجد، بالرغم من ذلك، الوقت الكافي لمتابعة عمله العلمي. فشجع مطبعة الحكومة في بولاق على نشر الروائع العربية، بما فيها مقدمة ابن خلدون، مما يظهر أيضًا اتجاه تفكيره. كذلك استمر في إدارة مكتب الترجمة الذي أصبحت مهمته الرئيسية ترجمة مجموعة القوانين الفرنسية إلى العربية. وأصدر، منذ ١٨٧٠ حتى وفاته، مجلة لوزارة التربية وكتب فيها عددًا من المقالات المبتكرة. ووضع أيضًا عدة مؤلفات على نطاق أوسع: المجلدان الأولان من المؤلف الذي كان ينوي وضعه عن تاريخ مصر الكامل، وكتاب في التربية عنوانه «المرشد الأمين للبنات والبنين»، وكتاب عام عن المجتمع المصري عنوانه «مناهج الألباب المصرية في مناهج الآداب العصرية».
والكتاب الأخير هو الذي يعنينا بنوع خاص، لأنه يشتمل على أكمل شرح لأفكار الطهطاوي عن الطريق التي ينبغي لمصر أن تسير
1 / 95