الفكر العربي في عصر النهضة

ألبرت حوراني ت. 1413 هجري
92

الفكر العربي في عصر النهضة

الناشر

دار النهار للنشر بيروت

تصانيف

لكنه وجد فيهم الكثير مما يستحق الثناء: كالنظافة، وتربية الأولاد بعناية وعلى مدة طويلة، وحب العمل ورذل الكسل، وحب المعرفة (فهم يحبون دائمًا معرفة أصل الشيء) (٣) والمروءة والإنسانية. كما وجد أن «من طباعهم حب التغيير والتبديل في سائر الأمور الخارجية غير المهمة، وثباتهم على آرائهم في الأمور المهمة، ثم وفاؤهم بالوعد، وعدم الغدر، وقلة الخيانة». عاد الطهطاوي إلى مصر، فعمل، لمدة، كمترجم في مدارس التخصص الجديدة. وفي ١٨٣٦ عين رئيسًا لمدرسة اللغات الجديدة، وكلف بإعداد الطلاب لدخول المدارس المهنية وبتدريب الموظفين والتراجمة. وكان في الوقت نفسه يعمل مفتشًا للمدارس وفاحصًا، وعضوًا في لجان تربوية، ورئيسًا لتحرير الجريدة الرسمية «الوقائع المصرية». لكن عمله الأهم كان في الترجمة. ففي ١٨٤١ ألحق بالمدرسة مكتب للترجمة عهدت إليه إدارته. وقد ضم هذا المكتب عددًا من التراجمة، تحت إشرافه ومراقبته. وفي هذه الفترة، استطاع أن يضع حوالي عشرين ترجمة، معظمها لكتب في الجغرافيا والتاريخ والعلوم العسكرية. أما الترجمات التي اقترحها أو أشرف عليها، فكان عددها أكبر بكثير. منها تواريخ للعالم القديم، وللقرون الوسطى، ولملوك فرنسا. ومنها سيرة بطرس الكبير، وسيرة شارل الثاني عشر الأسوجي لفولتير، وتاريخ الإمبراطور شارل الخامس لروبرتسون. ومنها أيضًا كتاب عن الفلاسفة الإغريق، وكتاب «تأملات في أسباب عظمة الرومان وانحطاطهم» لمونتسكيو. وتدل هذه القائمة على اتجاه اهتماماته، كما تدل على اهتمام سيده بترجمة سير حياة العظماء من الحكام والقواد الذين قد تكون سيرتهم شبيهة بسيرته أو مثلهم جديرًا بالاقتداء. غير أن اختيار مونتسكيو كان، ولا شك، من فعل الطهطاوي نفسه. فهو يكشف، بهذا الاختيار عن مدى اهتمامه، طيلة عمره، بمسألة عظمة

1 / 94