هوامش
الفصل الثاني
الفتح العربي
استعداد العرب نحو الأقباط، وطابع غزوتهم، وموقف الأقباط منهم
استن المشرع المسلم لأهل الذمة عددا من القوانين استلهمها من تعاليم القرآن والحديث، غير أن الفقهاء لم يستطيعوا دائما فرض وجهة نظرهم على الحكام، وكان هؤلاء يحيدون عنها كلما اضطرتهم ظروفهم ومصالحهم إلى ذلك.
ولكن وجود الفروق بين المبدأ والحقيقة، وتردد الإدارة إزاء أهل الذمة في أثناء الفتوحات، كان له بعض الأثر بلا شك في العلاقات بين الشعب المقهور وسيده الجديد؛ أي: بين الأقباط والمسلمين.
ولتوضيح العلاقات بين هذين العنصرين اللذين ينتميان إلى شعب واحد، لا يكفينا الرجوع إلى أصول الفتح الإسلامي، بل يجب أن نضع أنفسنا في جو الأحداث ذاتها؛ ذلك لأننا لا نستطيع أن نفهم موقف العرب أو رد فعل الأقباط إن كنا نجهل ما ظهر من نيات الطرفين وما بطن، ثم لا نستطيع التمييز بين التدابير التي اتخذها العرب نحو الأقباط وبين التدابير ذات الطابع العام.
إن الفترة الأولى من الفتح الإسلامي كثيرة الغموض والإبهام، لذا يجمل بنا أن نلقي بعض الضوء عليها، موضحين النقط التي تبدو لأول وهلة غريبة عن الموضوع ولكن لها أثرا بينا في مجرى العلاقات بين المسلمين والأقباط. (1) استعداد العرب نحو الأقباط (1-1) النبي يعطف على الأقباط
يبدو أن فتح العرب لمصر كان مقررا قبل وفاة النبي، وعلى كل فكانت مصر تحتل مكانا مرموقا في خطط توسع الإسلام العسكري، ألم يشاطر المقوقس، حاكم مصر، ملك الفرس والنجاشي وعاهل بيزنطيا، شرف استقبال الرسول الذي أوفده النبي ليدعوه إلى الإسلام؟ وعلى الرغم من أن النبي لم يزر مصر قط، فإنه كان يكن للأقباط عطفا ملحوظا، وفي الحديث: «استوصوا بالقبط خيرا، فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوكم»،
1
صفحة غير معروفة