17
وفي سنة 755ه «1354م»، «رفعت قوائم إلى الأمير صرغتمش من ديوان الأحباش فيها عدة حصص جارية على منافع الكنائس والديور، فكان قدر تلك الحصص خمسة وعشرين ألف فدان بيد النصارى، فلما سمع الأمير صرغتمش بذلك، حنق وطلع إلى القلعة وشاور السلطان على ذلك، فرسم السلطان بأن يخرج ذلك من يد النصارى، وكتب بذلك مربعات وأنعم بها على الأمراء زيادة على إقطاعاتهم ... ثم إن السلطان رسم بهدم الكنائس والديور.».
18
وهنا نتساءل، ما الحوادث التي أدت إلى اتخاذ هذه الإجراءات التعسفية ضد النصارى؟ لا يذكر لنا التاريخ عنها شيئا، ويحتمل أن تكون الخزانة العامة في حاجة إلى المال، ويحتمل أيضا أن السلطان أراد بذلك تهدئة خواطر المسلمين ومنع قيام حركة ثورية أخرى.
ويبدو أن عيل صبر النصارى من هذه الحال، فطرحوا جمودهم جانبا، وهبوا يحاولون النيل من ممتلكات المسلمين وحرق مساجدهم على الأخص معرضين بذلك أنفسهم للاستشهاد، ويذكر لنا المقريزي حالات بعض الذين وصل بهم اليأس إلى هذا الحد، ففي عام 754ه «1353م» وقع حادث فردي مؤداه أن نصرانيا من مواليد مدينة الطور وكاتب في أحد الدواوين قصد القاهرة ووقف يخطب ضد الديانة الإسلامية، فلما قدم للتحقيق قال للقاضي: «إن هدفي الحصول على شرف الاستشهاد.»، وفي عام 791ه قدم القاهرة جماعة من الرجال والسيدات وأعلنوا على الملأ خروجهم عن الإسلام وعزمهم على العودة إلى حظيرة المسيحية، وقالوا: «لقد جئنا هنا لكي نغتفر الخطايا التي اقترفناها، فنقدم حياتنا على مذبح التضحية لننال نعم سيدنا المسيح.»، فقطعت رءوسهم جميعا، وفي عام 795ه «1392م» قام في القدس أربعة من الرهبان وتحدوا علانية فقهاء الإسلام وتكلموا عن الإسلام بأسلوب ملؤه الاحتقار، فحكم عليهم بالحرق أحياء.
19
غير أن هذه الحوادث التي تدل على استياء النصارى لم تتعدد، ولم يكن لها تأثير على الشعب.
وفي عام 787ه «1385م» «رسم السلطان الملك الظاهر برقوق بإبطال ما كان يعمل في يوم النيروز، وأرسل الحجاب مع جماعة من المماليك السلطانية ووالي الشرطة، فطافوا في أماكن المتفرجات وفي الطرقات، فمن وجدوه يفعل ذلك يضربونه بالمقارع، وصاروا يقطعون أيدي جماعة ممن كان يفعل ذلك، وقاموا في ذلك قياما عظيما حتى بطل ذلك من القاهرة وأشهروا النداء بمن يفعل ذلك بالشنق، فانكف الناس من يومئذ عن ذلك.».
20
وفي عام 803ه «1400م»، هدم الأمير يلبغا السالمي كنيسة للنصارى بجوار شبرا الخيمة، وحطم أكثر من أربعين ألف جرة نبيذ، وكان عازما على اضطهاد النصارى، ولكن حال سائر الأمراء بينه وبين تنفيذ أغراضه.
صفحة غير معروفة