أما فيما يختص بأقباط مصر أي اليعاقبة، فقد رأوا في هزيمة الفرنج عقابا جديدا أنزل على أنصار كنيسة روما، وعلى الرغم من الاضطهادات التي عانوها فإنهم ظلوا المحور الأساسي الذي ارتكز عليه أعظم الحكام المسلمين.
هوامش
الفصل الثامن
كارثة النصرانية في عهد السلاطين المماليك
إن قصة الحروب الصليبية جعلتنا نلمس عن قرب اضمحلال العنصر القبطي منذ اضطهاد الحاكم بأمر الله له، وقد استمرت هذه الحالة في عهد سلاطين المماليك والأتراك؛ إذ كانوا لا يأبهون مطلقا بهذه الأقلية، كان السلاطين يعتبرون الأقباط جزءا لا يتجزأ من الأمة؛ لأنهم كانوا يقدمون لهم خدمات قيمة فيما يختص بجباية الضرائب، أضف إلى ذلك أن الحكام كان يمكنهم ابتزاز أموال الأقلية بسهولة دون أن يخشوا من قيامها بأية حركة ثورية جديدة، فرتبوا مصير الأقباط حسب هواهم أو هوى الشعب.
وقد استطاع بعض الكتاب الأقباط أن يشغلوا بعض المراكز الكبيرة في الدولة، ولكن الشعب كان يظهر غضبه بمجرد ما يرى قبطيا له نفوذ، وكان لم يعد يقبل أن يكون لأقلية دينية صغيرة حقوق عليه.
وتمكن القبطي، وسط هذه الاعتبارات كلها، أن يسير قدما؛ ذلك لأن مواطنه المسلم لم يكن حائزا، أو قل إن شئت لم يكن يريد أن يحوز الصفات اللازمة للقيام بجباية الضرائب، وفيما خلا هذه الوظيفة، شعر القبطي أنه غير مرغوب فيه، وبذا أصبحت الأمة القبطية جماعة مهمتها تدريب الأخصائيين في شئون الضرائب والمال.
لم تتغير حالة القبطي خلال ستة القرون التي سبقت عهد محمد علي الكبير، ولم يقع حادث يستحق الذكر عدا بعض أعمال الاضطهاد الطارئة، التي كانت تؤثر في سير حياته المطموسة التي لم يكن أمامها إلا هدف واحد هو الاحتفاظ بالعمل الوحيد الذي صرحت له به السلطات المدنية، وكان هذا العمل - أي: جباية الضرائب - سبب كيانه وأمله الوحيد في الثراء.
وسنقتصر فيما يختص بالعلاقات بين المسلمين والأقباط في هذه الفترة الطويلة على ذكر بعض الأحداث المتفرقة التي لا يجمعها أي ارتباط، ومتبعين طريقة المؤرخين العرب في سرد الحوادث مكتفين بذكر بعض التفاصيل عن الأحداث القليلة التي لها بعض الأهمية. •••
بينما كان الملك لويس التاسع يجلو عن مصر مع فلول جيشه، اعتلت عرش البلاد أسرة جديدة ألا وهي دولة المماليك البحرية، وكانت المهمة الملقاة على هذه الأسرة ليست هينة؛ إذ كان عليها أن تقوم بتصفية ما تبقى من الدولة اللاتينية في الشرق، وأن تستعد خصوصا لمواجهة خطر الغزو المغولي، ويجب أن نعترف بفضل مصر التي أنقذت العالم الإسلامي من تلك الكارثة، وذلك بشجاعة الملك المظفر قطز ومماليكه.
صفحة غير معروفة