وكان من قول عمر في بيعة أبي بكر كانت بيعة أبي بكر فلته وقى الله شرها فمن عاد لمثلها فاقتلوه؛ ولعمري إن الأمر كما ذكر، فإنها كانت فلتة إذ كان علي –عليه السلام –وبنو هاشم مشغولين بأمر رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم –واغتنم القوم فرصتهم واشتغالهم بأمر نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم حتى استحكم أمرهم، واشتدت شوكتهم، وحاذر علي عليه السلام دخول أعداء الدين فيه وتشتت كلمة المسلمين، ولذلك قال له عمه العباس امدد يدك أبايعك فيقال عم رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم بايع- ابن أخيه فلا يختلف عليك اثنان فقال علي عليه السلام كيف؟ لو كانوا عمي حمزة حيا، وأخي جعفر باقيا؛ ومما وجد له عليه السلام في كتاب رأس اليهود، وهو مشهور بين الزيدية غير منكور تذكر شيئا من أمرهم بعد الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- قال في كلامه: ثم أمر الله ورسوله بتوجيه الجيش الذي وجه مع أسامة عند الذي حدث به من المرض الذي توفاه الله فيه؛ فلم يدع رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم أحدا من قريش، ولا الأوس والخزرج، وغيرهم من سائر العرب ممكن يخاف على بغضه، أو منازعته ورده ولا أحدا ممن يرى بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمة إلا وجهه في جيش أسامة لا من المهاجرين ولا من الأنصار، وغيرهم من المؤلفة قلوبهم، والمنافقين لتصفوا قلوب من يبقى بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه في جواره ولا يدفعني دافع عن الولاية أو القيام بأمور رعيته وأمته من بعده ثم كان آخر ما تكلم به رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم الله-في شيء من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة، وأن لا يتخلف أحد ممن أنهض معه فتقدم في ذلك أشد التقدمة، وأوعز في ذلك أبلغ الإيعاز والإنذار(1)، وأكد في ذلك أكثر التأكيد، فلم أشعر بعد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم إلا برجال من بعث أسامة، وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم – فيما أنهضهم وأمرهم به، وقدم إليهم من ملازمة أميرهم والمسير معه، وتحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي وجهه، وخلفوا أميرهم ومقيما في عسكره وأقبلوا يتبادلون على الخيل ركضا، إلى عهد عهده الله تعالى لي ولرسوله في أعناقهم، فنكثوه وعقدوا لأنفسهم عقد أضجر به أصواتهم واختصت به أراؤهم، من غير مناظرة أحد منا بني عبد المطلب، ولا مشاركة في رأي واستقالة لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك وأنا برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -وبتجهيزه مشغول عن سائر الأشياء لأنه كان أحقها وأهم ما يبدأ به منها فكانت هذه يا أخا يهود من أفدح ما ترد على القلوب مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية، وفاجع المصيبة، وفقد من لا يخلف إلا الله منه فصبرت عليها.
وقال عليه السلام في موضع آخر من مخاطبته لرأس اليهود فنزل بي من وفاة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - ما لم أكن أظن أن الجبال تنهض به فرأيت الناس من أهل بيتي بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط لنفسه، ولا يقوى على حمل قادح، ما نزل به، قد أذهب الجزع صبره ودله عقله، وحال بينه وبين الفهم والأفهام، وبين القول والإستماع، وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معزا بالصبر(1) عند وفاته، ولزوم الصمت، والأخذ بما أمرني به من تجهيزه وغسله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ووضعه في حفرته، وجميع أمانة الله، وكتابه، وعهده الذي حملناه إلى خلقه، واستودعناه فيهم، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة، ولا هياج زفرة، ولا حرقة ولا جليل مصيبة، حتى أديت الحق الواجب لله ولرسوله علي، وبلغت منه الذي أمرني رسول الله -صلى عليه وآله وسلم-، تم كلامه عليه السلام.
صفحة ٢١