في
إمامة أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين
علي بن أبي طالب عليه السلام
تأليف
الإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن الناصر بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن المختار بن الناصر بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم (ع) (...-....)
دراسة وتحقيق وتعليق
عبد الله عبد الله أحمد الحوثي
[الجزء الأول]
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين، والحمد لله رب العالمين الحمد لله الذي دلنا على ذاته، بغرائب مصنوعاته، فنطق لسان الفكرة معربا عن حالها، بعجز العباد كافة، عن أمثالها؛ بل علموا أن لو تعاونوا، وتظاهروا، وتعاضدوا، وتوازروا لما استطاعوا بأن يأتوا بأمثالها، ولا أن ينسجوا على منوالها {ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب، ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز}[الحج:73-74] {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون}[الزمر:67].
صفحة ١
فوا عجبا من عجزة مستحقرين أذلة، مستصغرين لا يقدرون على خلق جسم صغير، ولا يستطيعون إيجاد جوهر فرد حقير تحزبوا في جحدان الله أحزابا، واتخذوا من دون الله أربابا، فمن جاحد لربه، مفتر يسير مرحا في حلبة عجبه، ومن جاعل للنور والظلمات فأعلن للخيرات والشرور رافض لعقله الذي جعل عليه دليلا متنكب عن سواء الصراط فمن يهتدي إليه سبيلا، ومن مشرك للشيطان مع الرحمن قائل.......... ويزدان إن لم يميز بين الحسن، والقبيح مماثل، بين السقيم والصحيح، ومن قائل بالأقانيم الثلاثة، مشرك مع الله تعالى، ما ابتدع إحداثه، ومن عابد للوثن، والصليب، والحجر، وعاكف للنار، والشمس والقمر، ومن قائل بالعقول، والعلل مبطل للأديان، والملل، ومن مثبت قدما مع الله أربعين مرخ زمامه في كف إبليس اللعين،، ومن خاضع للجثة الطويلة العريضة العميقة دهره، توجه للعبادة، بزعمه إلى فاعل القبائح عمره هذا، وهو لا يدري بزعمه في أي القبضتين يصير، ولعمر الله لهو على جميع حالاته حسير إلى غير ذلك من جهالات العبيد، وتعذبهم على الحميد المجيد نسبوا إلى الله تعالى الصاحبة والأولاد مع ما أشركوا معه من الأنداد، {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار}[الرعد:16].
صفحة ٢
هذا وقد حكمت عليهم عقولهم وان لم يسمعوها، وشهدت عليهم أفئدتهم وإن لم يفهموها بأن هذا العالم بأسره وما فيه من نفعه وضره، وما يطرأ من حركة وسكون على أحجامه ويساق من افتراق واجتماع إلى أجسامه مع ما شفع ذلك من اختلاف صوره وهيأته، ونموه وثباته، وأشجاره وأزهاره، وطعومه وثماره، وأمطاره ورعوده، وهبوطه وصعوده، ومائه وناره، وظلمته وأنواره، ونباته وحصاده، وبياضه وسواده، وحمرته وخضرته، وغبرته وصفرته، وحموضته وحلاوته، وحرافته ومرارته، ونومه ويقظته، وشهوته ونفرته، وحياته وموته، وذهابه وفوته؛ فإن ما اختلفت فيه أجسامه بعد اشتراكها في الجسمية من هذه الصور والهيئات، تدل على صانع حكيم، قادر، عليم لأن هذا الإختلاف بعد الإشتراك إن حصل بذوات العالمين، وجب كون ذواته على صورة واحدة أو كون كل ذات منه على تلك الصور المختلفة، هذا مع أن حدوثها يدل على حاجتها إلى محدث سواها وإن كان ذلك لموجب من سبب أو علة أو مادة أو عقل أو طبيعة أو غير ذلك من أنواع الترهات المسماة موجبة، وكان ذلك قديما أو معدوما أدى ذلك إلى قدم العالم، وهو محال وإن كان محدثا احتاج إلى محدث، ثم الكلام فيه كالكلام فيها فيتسلسل ذلك إلى ما لا يتنهى أو ينتهي إلى فاعل لا يحتاج إلى فاعل، وجب القول به {ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين}[غافر:64]القائل وقوله الحق المبين{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}[المؤمنون:12-14] نحمده حمدا يطاول الأمد، ويستغرق العدد، ونصلي على صفيه البشير النذير محمد بن عبد الله السراج المنير وعلى أخيه وابن عمه، وباب مدينة علمه، وعلى سيدة النساء وخامسة أهل الكساء وعلى ابنيهم المطهرين سيدي شباب أهل الجنة رضيعي الكتاب والسنة، وعلى آلهم الطيبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أما بعد:
صفحة ٤
أيها الإخوان، والأولياء كثركم الله في طاعته، وجعل لكم الحظ الأوفر، من ولاية محمد وشفاعته فإني لما رأيت ميل أكثر الناس عن أهل البيت المطهرين صلوات الله عليهم أجمعين وما هم عليه من جحدان وراثة -أمير المؤمنين- نبيه وكونه وليه ووصيه وأولى الناس من بعده بالإمامة، وأحقهم بالزعامة دعاني ذلك إلى تأليف كتاب يشتمل على بيان هذا الباب فإياكم أن يعنتكم عن هذا المذهب الشريف، والدين الحنيف تحريف الضالين، وانتحال المبطلين؛ فإنما أنتم النمرقة الوسطى الذين حملهم آل محمد صلوات الله عليه وآله على المحجة البيضاء، أما علمتم أنكم أتباع الثقلين، وشيعة الأخوين جمعتم من الدين ما فرقه الناس، ولم يختم على قلوبكم الشك والإلتباس بل حفظتم رسول الله في عترته واستمسكتم بالوثقى من عروته، ولم تفصلوا بينه وبين أخيه ووصيه، ومنجز وعده، وقاضي دينه، ووليه، لم تجذبكم الأهواء المضلة عن الصواب، ولا خالطكم ما خالط الفرق من الشك والإرتياب فأنتم حماة الدين وأنصار الحق المبين { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}[الحديد:21]، فإياكم رحمكم الله أن تصغوا إلى القول بالإعتزال فتشركوا قريشا في وراثة الآل فشتان والله بين القوم. وكم بين اليقضة والنوم أين الثريا من الثرى، وأين المنسم من القرى أين العجز من الإستطاعة، بل أين المعصية من الطاعة، كم بين السعود والنحوس، وشتان بين الظلم والشموس، أين الغرق من النجاة، وأين المضلون من الهداة، وأين البدعة من السنة، بل أين النار من الجنة، أترضون بدلا عن آل محمد النبي بتيم وأميه وعدي في أي مذهب صحيح، وأي بيع ربيح إذا تطرحونه بين آل محمد الطيبين ذلك هو الخسران المبين هيهات أن تجدوا بهم بديلا، ولن تلقوا أهدى من سبيلهم سبيلا وفي ذلك أقول:
لم ينج في الكهف سوى عصبة .... فرت عن الدار وأربابها
ولا نجى في قوم نوح سوى .... سفينة الله وأصحابها
ألم يكن في المغرقين ابنه .... إذ غاب عن حوزه ركابها
وهل نجى بالسلم إلا الأولى .... رقوا إلى السلم باسبابها
أو أدرك الغفران من لم يلج .... بالأمس في الحطة من بابها
أعيذكم بالله أن تجمحوا .... عن عترة الحق وأحزابها
صفحة ٥
وما قصدنا بهذا أيها الإخوان والأولياء رحمكم الله إلا التذكير الذي ندب الله إليه، وأن نبين طرفا من المنوال الذي نسجنا عليه وإن كانت بحمد الله شموسه طالعة غير آفلة، وحججه عالية غير سافلة إذ قد صنف أباؤنا الأطهار، ومتكلموا الزيدية الأخيار في ذلك التصانيف الجمة، وكشفوا غياهب الشك المذهلة إلا أنا أحببنا أن ننتظم في جماعتهم وأن نذب عن حمى حوزتهم، وقصدنا بجمع هذا الكتاب التعرض لما [ ] روينا عن أمير المؤمنين -عليه السلام- أنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله جعل لأخي علي فضائل لا تحصى كثرة فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن كتب فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن كتب فضيلة من فضائلهم لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقى لتلك الكتابة رسم، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالإستماع، ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر؛ ثم قال: النظر إلى وجه علي بن أبي طالب عبادة، وذكره عبادة فلا يقبل الله إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه)) ؛ فالثواب لنا على ذلك بمشيئة الله عظيم، وفيه للملتزم بحبل أهل البيت صراط مستقيم، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وهو رب العرش العظيم. فابتداءنا بعد الإستعانة بالله تعالى والتوكل عليه وتفويض أمورنا كلها إليه بإنشاء هذه الأرجوزة المسماة: [بأنوار اليقين في إمامة أمير المؤمنين]، وما درج في خلال مناقبه من إمامة الحسن والحسين وأبنائهما الطيبين، وبيان ما اشتملت عليه أبياتها بما هو كالشرح لها لتفصيل مجملها، ونفتح مقفلها، وهذا أوان الإبتداء سائلين الله التوفيق فيه وفي الانتهاء بمنه ولطفه إنه جواد كريم.
الحمد للمهيمن الجبار .... مكور الليل على النهار
ومنشئ الغمام والأمطار .... على جميع النعم الغزار
ثم صلاة الله خصت أحمدا .... أبا البتول وأخاه السيدا
وفاطما وابنيهما سم العدا .... وآلهم سفن النجاة والهدا
يا سائلي عمن له الإمامة .... بعد رسول الله والزعامة
ومن أقام بعده مقامه .... ومن له الأمر إلى القيامة
خذ نفثات عن فؤاد منصدع .... يكاد من بث وحزن ينقطع
لحادث بعد النبي متسع .... شتت شمل المسلمين المجتمع
الأمر من بعد النبي المرسل .... من غير فصل لابن عمه علي
هذا بنص الواحد الفرد العلي .... وحكمه على العدو والولي
والأمر فيه ظاهر مشهور .... في الناس لا ملغى ولا مستور
وكيف يخفي من صباح نور .... لكن نزل الخطل المخسور
ما قبض الله النبي المصطفى
وحسبهم أخو الرسول وكفى
فذاك قولي وهو قول الآل ... حتى أراهم الوصي خلفا
لكن أرادوا ان يسموا خلفا
وهم أمان السهل والجبال
وشهداء الله ذي الجلال
وقال قوم إنما الخلافة
مقالة تعزي إلى خرافة ... وقول كل الشيعة العمال
من قبله لابن ابي قحافة
كم بين سبل الأمن والمخافة
وجعل الأمر عتيق لعمر
ثمت ألقاه تراثا لنفر ... من بعده كما استفاض واشتهر
فخف عثمان إليها ونفر
اعلم أرشدك الله أن الكلام في هذه الأرجوزة، وشرحها ينطوي على أربع مواضع:
أحدها: في حكاية المذهب، وذكر الخلاف في الإمام بعد رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم.
صفحة ٦
والثاني: في حكاية طرف من أحوال أمير المؤمنين -عليه السلام- وأحوال أبي بكر، وعمر وعثمان في ابتداء الأمر، وانتهائه من كل وأحد منهم، وما حدث من التنارع في الإمامة بعد الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم.
والثالث: في ذكر طرف من شرف أمير المؤمنين ومناقبه وبيان ما به يشرف على القوم، ويكون لمكانه أولى بالتقديم عليهم.
وهذا الموضع الثالث اشتمل على ثلاثة أركان:
أحدها: بيان طرف من التنبيه على وجوه الأدلة فقط.
والثاني: على تحرير الأدلة على استحقاقه لهذه الرتبة، وكونه أولى بها منهم مع بعض بسط في الأدلة وإدحاض ما يعترض به عليها.
والثالث: الدلالة على إمامة الحسن والحسين بعده وحصر الإمامة في أبنائهما الطيبين عند ذكر شرفه بأولاده عليهم جميعا سلام الله ورضوانه، ويدخل في هذا الركن الثالث ما نظفر به من أقوال الأئمة في علي -عليه السلام-، وفي الثلاثة القائمين بالأمر قبله، وما يتعلق بذلك من ذكر أهل البيت وكونهم على الحق وأن اتباعهم هم الأولى.
والرابع: من المواضع في إبطال شبهة المخالفين على إمامة القوم وإفساد ما يظنونه دلالة على حسب الإيجاز والإختصار، ثم تختم هذا الكتاب بزبد من كلام أمير المؤمنين -عليه السلام- في الخطبة الزهراء ونبذ من ذكر أتباعه وأتباع أهل البيت -عليهم السلام- وأنهم الزيدية دون الفرق، وأنهم الناجون غدا دون غيرهم بمشيئة الله تعالى، ونحن نذكر هاهنا الموضع الأول، وهو في حكاية المذهب والخلاف في الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونأتي على جميع المواضع في مواضعها إن شاء الله، اختلف الناس في الإمام بعد رسول صلى الله عليه وآله وسلم فذهبت الزيدية الجارودية، والإمامية إلى أن الإمام بعده بلا فصل هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأن طريق إمامته النص.
صفحة ٧
ثم اختلف هؤلاء فقالت الإمامية إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص عليه نصا جليا يعلم كل أحد ممن سمعه قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه ضرورة، وقالت الزيدية الجارودية بأن النص على إمامته عليه السلام مما يحتاج في معرفة المراد به إلى تأمل ونظر، وما هذه حاله فقد يجوز أن يخطئ فيه البعض، ويصيب البعض، ويجوز أن يكون بعضهم قد اضطر إلى قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، ولم يضطر الباقون، ومن اضطر منهم كتم بعضهم وسكت بعضهم، ومن لم يضطر منهم يجوز أن يكون قد استدل بعضهم على قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وبعضهم قد أخل بما يجب عليه من النظر والإستدلال فجعل مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فلهذا لا يقطع على فسق من هذه حاله ما لم يظهر من بعضهم ما يوجب الفسق هذا هو ظاهر مذهب الزيدية الجارودية، وأنه كان يوجد في كلام أمير المؤمنين وكلام غيره من الأئمة عليهم السلام من التوجع، والتألم على المشائخ الثلاثة ما سيأتي ذكر بعض منه فيما بعد إن شاء الله تعالى وفيه ما فيه فنسأل الله تعالى الثبات على ما يرضيه، وذهبت المعتزلة ومن طابقها من الزيدية الصالحية، والخوارج، وأصحاب الحديث إلى أن الإمام بعد الرسول عليه السلام هو أبو بكر، واختلفوا في طريق إمامته فالمحصلون منهم: يقولون طريقها العقد، والاختيار، والآخرون يقولون طريقها النص من النبي صلى الله عليه وسلم على إمامته وهم في النص على قولين مثل ما مضى في النص على إمامة أمير المؤمنين، والخلاف في كونه جليا أو خفيا، فهذا هو الكلام في الموضع الأول.
وسوف يبدوا لك وجه الحجج
لكن تعاموا عن ضياء المنهج
لما قضى المختار فيهم نحبه ... يسطع نورا كالصباح الأبلج
وكم وكم بين خلي وشجي
وهجمت على أخيه الكربه
وقام في جهازه والأهبه
نادى أبا بكر إلى الأمر عمر
وغادراه ميتا خير البشر ... ولم يضع أخوة وصحبه
فجد واستقلق فيه واستشر وكان أولى عند هذا بالنظر[5-ج]
صفحة ٨
فقصدا سقيفه الأنصار
وقيل بالعقد والإختيار
واشتعلت هنالك المنازعة ... وأظهرا شرا من الأشرار
فهاج شر كوقود النار
وانتضيت تلك السيوف القاطعة
وجا عتيقا بعضهم فبايعه
وقيل بالأمير والأمير
إذ بايعوا غير أبي شبير ... ولم تكن بيعه حق جامعه
ودان بعض القوم بالنكير
فهاج ماهاج من الشرور
فكسروا سيف الزبير كسرا
ووجاؤ وسلمان أيضا قسرا
وقيل بايع يا أخا النبي ... وضربوا عمار ضربا جهرا
وأقبلت تلك الخطوب تترا
فقال إن لم تك من علي
قالوا فضرب عنق الوصي
فامسك الصديق خوفا للفتن
ولم يكن بالجبن عن حرب يزن ... ميلا عن الولي والمولى
من مبغض الإسلام أرباب الإحن
بل كان معروفا بها أبو الحسن
وانتهبوا جهالة تراثه
وكم دعاه الأمر واستغاثه ... وأظهر الدهر له أحداثه
صفحة ٩
لولا الخطوب لم يدع ميراثه نحن نتكلم هاهنا فيما وعدنا به من الموضع الثاني، وهو في حكاية طرف من أحوال أمير المؤمنين -عليه السلام- وأحوال أبي بكر، وعمر، وعثمان في ابتداء الأمر وانتهائه، ويدخل في ذلك بيان شئ من التنازع والتشاجر الواقع بين الصحابة لنبين طرفا مما أجملناه في الأبيات المقدم ذكرها الآن اعلم أرشدك الله تعالى أنه لا خلاف في وقوع التنازع والتشاجر بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الإمامة فيما بلغنا عن الصحابة والتابعين والناقلين عنهم إلى يومنا هذا، وسبب ذلك صرفهم الأمر عن مكانه، وإخراجهم له عن معدنه فإن الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان قد وجه بعث أسامة وحرضهم وحرض الناس على التقدم معه، وجعل أبا بكر، وعمر وأبا عبيده، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم من المهاجرين والأنصار تحت رايته، ولم يرخص لهم بالمقام في المدينة، وكان-عليه السلام -في حال مرضه يحرض الناس على ذلك أشد التحريض، ويضيق عليهم، ولم يرخص لأسامة في المقام بالمدينة؛ لما هم بانتظار أمر الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم، وما يصير إليه من مرضه عند شدة المرض به؛ بل لم يدعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وفيهم أبو بكر، وعمر، وهو يقول انفذوا في جيش أسامة وفي بعض الأخبار انفذوا جيش أسامه لا يتخلف عن بعثه إلا عاصي لله ولرسوله فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثقيل مغمى عليه، فدخل أسامة وعيناه تهملان، وعنده العباس، والناس حوله فتطأطا عليه أسامة والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يده إلى السماء ثم ينصبهما.
صفحة ١٠
قال أسامة: فعرفت أنه يدعو[6-ج] لي فرجعت إلى معسكري؛ فلما كان يوم الإثنين جاء أسامة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بركة الله فودعه أسامة وصاح أسامة بأصحابه، فأمرهم باللحوق بالمعسكر والرحيل، ومات رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم، واشتغل أمير المؤمنين وأهل بيته بجهازه، وفي خلال ذلك جاء عمر بن الخطاب يحث أبا بكر على التقدم معه إلى سقيفة بني ساعده، وعلى القيام بالأمر، وكان سبب ذلك مارويناه عن الإمام المنصور بالله –عليه السلام في: (الشافي) عن المغيرة بن شعبة أنه قال: أنا أول من صرف هذا الأمر عن أهل هذا البيت، وذلك أني أتيت يوم وفاة رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو بكر لازم للباب.
فقلت: ما وقوفك هاهنا.
قال: أنتظر علي بن أبي طالب يخرج فنبايعه، فقد سمعنا فيه من الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم ما سمعنا.
فقلت: أنشدك الله في الإسلام وأهله، والله لإن فعلتم ذلك لتكونن قيصرية وكسروية ولينتظرن بها الجنين في بطن المرأة، فلم يقبل قولي فذهبت إلى عمر فلقيته فقلت: الله الله في الإسلام أني لقيت أبا بكر فهو ينتظر عليا، وقال كذا، وقلت كذا، والله لئن فعلتم هذا لينتظرن بها الجنين في بطن المرأة، ولتكونن كسروية، وقيصرية.
قال: وخف معي عمر، وكان أبو بكر لا يكاد يخالفه فما زال ينقله على الذروة والغارب، حتى أخذ بيده وسار إلى سقيفة بني ساعدة، وكان ما علمه الناس تمت روايته عليه السلام، وروينا عن غير المنصور بالله عليه السلام من الأئمة -عليهم السلام- أن عمر لما أتى إلى أبي بكر قال له: ما دعاك إلى ما يقول المغيرة انظر يا أبا بكر لا تطمع في هذا الأمر بني هاشم فإنا إن فعلنا ذلك ذهبت الإمرة من قريش آخر أيام الدنيا؛ وفي بعض روياتهم -عليهم السلام -بإسناده عن: عروة بن المغيرة بن شعبة قال: سمعت أبي يقول: إن أول من أخرج هذا الأمر من آل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -أنا.
صفحة ١١
فقلت: وكيف ذلك يا أبتي.
قال: انطلقت يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى باب حجرته، وقد اجتمع كثير من الناس فيهم أبو بكر.
فقلت: ما حبسك هاهنا.
قال: أنتظر أن يخرج علي بن أبي طالب فنبايعه، فإنه أولى بالقيام في أمر أمة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم -لسابقته، وقرابته، مع علمه لمعرفته بالكتاب، وشرائع الإسلام، وقد عهد إلينا فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته.
فقلت: يا أبا بكر لو فعلمتوها لتكونن هرقلية، وقيصرية ينتظر بهذا الأمر الجنين في بطن أمه من أهل هذا البيت حتى يضع.
قال: فألقيتها في قلبه، ثم أتيت عمر بن الخطاب
فقلت: أدرك.
فقال: وما ذاك.
قلت: إن أبا بكر جالس على باب حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينتظر خروج علي بن أبي طالب ليبايعه، ولعمري إن فعلتموها لتكونن هرقلية، وقيصرية، وينتظر بها الجنين في بطن أمه ما في بطنها، حتى تضع؛ فقام سريعا واحمرت عيناه غاضبا، حتى أتا أبا بكر؛ وقال: ما دعاك إلى ما يقول المغيرة انظر يا أبا بكر لا تطمع بني هاشم في هذا الأمر، فإنا إن فعلنا ذلك ذهبت الإمرة من قريش آخر أيام الدنيا؛ ولما تقدما إلى سقيفة بني ساعدة، ووقعت المنازعة بينهم وبين الأنصار ؛وقال عمر: بايعوا أبا بكر وقال أبو بكر بايعوا أحد هذين إن شئتم يعني عمر وأبا عبيدة.
فقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، وكان من قولهم الإسلام عزبنا، والدار دارنا.
صفحة ١٢
فقال عمر: سيفان في غمد لا يصلح، منا الأمراء، ومنكم الوزراء؛ فلما كثر التشاجرمد عمر يده إلى أبي بكر، فبايعه، وتبعه بعضهم فبايعه، وامتنع سعد بن عبادة عن البيعة، وجرى بينه وبين عمر كلام، وتشاجر، وقال سعد خلصني الله من جوارك، فبئس الجار أنت، وكان من كلام عمر: اقتلوا سعدا قتله الله، وقال: هممت أن أطأ بطنه، فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر وقال: والله لو فعلته ما رجعت وفي فيك واضحة، ولما ظهر ما ظهر من بيعة أبي بكر تخلف عنها الجماعة المهتدون، وامتنعوا عن بيعته لما سمعوه في أمير المؤمنين من رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- وأرادوا البيعة لعلي –عليه السلام – فغلظ عليهم عمر، وجماعته، وحملوا من استطاعوا حمله على البيعة كرها، وجرى بين الزبير، وعمر ما جرى، حتى جروه وكسروا سيفه.
وجاء العباس فاظهرهم في ذلك، وقال لهم: أما أنتم يا قريش وقربكم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فهو شجره نحن أغصانها، وأنتم جيرانها، وروينا من كتاب:(نهج البلاغة) لما انتهت إلى أمير المؤمنبن -عليه السلام - أنباء السقيفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم [7-ج]قال علي -عليه السلام-: ما قالت الأنصار.
قالوا: قالت: منا أمير، ومنكم أمير.
قال -عليه السلام-: فهلا احتججتم بأن رسول -صلى الله عليه وآله وسلم -وصى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم.
قالوا: وما في هذا من الحجة عليهم.
فقال -عليه السلام -: لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم
ثم قال: فماذا قالت قريش.
قالوا: احتجت بأنها شجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال -عليه السلام-: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة.
وقال -عليه السلام -في (نهج البلاغة) أيضا فواعجباه أن تكون الخلافة بالصحابة، ولا تكون بالقرابة والصحابة؛ وكان من قوله -عليه السلام –في هذا الكتاب:
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم ... فكيف تليها والمشيرون غيب فغيرك أولى بالنبي وأقرب
صفحة ١٣
ومن قوله فيه أيضا -عليه السلام -أن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا يصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم، ومنه أيضا في هذا المعنى: ((اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم قطعوا رحمي وأكفئوا إناي، واجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري؛ وقالوا: ألا إن في الحق أن نأخذه وفي الحق أن نمنعه فاصبر مغموما أو مت متأسفا، فنظرت فإذا ليس لي رافد، ولا ذاب، ولا مساعد إلا أهل بيتي فظننت بهم عن المنية فأغضيت على القذا، وجرعت ريقي على الشجى، وصبرت من كظم المغيظا على أمر من العلقم، وألم للقلب من حز الشفار.
ومنه أيضا، وقال قائل: إيه يا ابن أبي طالب إنك على هذا الأمر لحريص؛ فقلت: بل أنتم والله أحرص مني وأبعد وأنا أخص وأقرب، وإنما طلبت حقا لي، وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه؛ فلما قرعته بالحجة في ملاء من الحاضرين بهت لا يرى ما يجيبني به.
ومنه أيضا حتى إذا قبض رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -رجع قوم على الأعقاب وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا النسب الذي أمروا بمودته ونقلوا البناء عن رض أساسه فبنوه في غير موضعه.
ومنه أيضا بعد ذكره للمواطن التي فر عنها أبو بكر، وعمر، واعلموا رحمكم الله أن من أخفى الغدر، وطلب الحق من غير أهله ارتطم في بحر الهلاك، وصار بجهله أقرب إلى الشك والإشراك، والله يقول سبحانه: {إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار، ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير}[الأنفال:15-16]. فاغضبوا رحمكم الله على من غضب الله عليه.
صفحة ١٤
وقال -عليه السلام-: فنقضوا عهد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - وخالفوا إلى غير فعله في أخذهم فدكا من يد ابنته، وتأولوا ما لم يعلموا معرفة حكمه، وقال كذب المفترون وضل الكاذبون على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضلالا بعيدا بل الله يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخير من دونه، وهو اعلم حيث يجعل رسالاته ويهدي لنوره من يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لأمره ؛ وقد اختار الله طالوتا واصطفاه ووكله بأمره، فمن أطاعه ظفر ومن عصاه كفر فاعتبروا به فلكم فيه معتبر.
صفحة ١٥
وقال عليه السلام: عندما بايع الناس لأبي بكر، الحلم خير والتقي ذين [بياض ص8]والمورد القيامة، والحجة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم -شقوا رحمكم الله متلاطمات أمواج بحار الفتن بسفن النجاة وعرجوا عن سبل المنافرة، وحطوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح، ماء أجن، ولقمة يغص أكلها ومجتنى الثمرة في غير وقت نضاجها كزارع في غير أرضه، والله لو أقول ما اعلم لتداخلت أضلاع قوم تداخل أسنان دواره الرخا وإن أسكت يقولوا جزع ابن أبي طالب من الموت هيهات هيهات، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لعلي سر بالموت من الطفل لثدي أمه ولاكني اندمجت على مكنون علم، لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة رواه أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري؛ ولما أنكر عليهم عمار بن ياسر رحمه الله ضربوه وأنكر سلمان الفارسي رحمه الله فوجؤا عنقه حتى خفض إلى الأرض فخرج سعد بن عبادة غاضبا إلى الشام بعد أن عوفي من مرضه الذي كان به في حال بيعتهم لأبي بكر حتى كان من أمره ما كان، وهرب بلال بن حمامة، حتى مات بالشام، والذين كرهوا بيعة أبي بكر وأنكروها غير بني هاشم فيما بلغنا من المهاجرين والأنصار هم خالد بن سعيد بن العاص، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الكندي، وأبو بريدة الأسلمي، وعمار بن ياسر وسعد بن عبادة، وقيس بن سعد بن عبادة، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبو الهيثم بن التيهان، وسهيل بن حنيف، وأبي بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري وهو خالد بن زيد صاحب منزل رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم –وقيل كان فيمن تخلف عبد الله بن مسعود وحذيفة، وتخلف علي –عليه السلام –عن البيعة ولم يروا عن أحد من بني هاشم أنه حضر السقيفة أو بايع، وهؤلاء المتخلفون هم خيار أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم.
صفحة ١٦
وروينا عن أبي القاسم من كتابه (المعتمد) عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول خرجت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على علي -عليه السلام -في بيت فاطمة - عليها السلام -وعنده المهاجرون.
قلت: ما تقول يا علي.
قال: أقول خيرا نحن أولى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما ترك.
قلت: ما الذي يجيء.
قال: نعم
قلت: والذي بعدك.
قال: نعم.
قلت: كلا والذي نفسي بيده حتى تجزوا رقابنا بالمناشير؛ وروى زيد بن أسلم أيضا أنه بويع أبو بكر بعد النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – وكان علي، والزبير، والمقداد يدخلون على فاطمة بنت رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ويتشاورون في أمرهم؛ فلما بلغ ذلك عمر خرج حتى دخل عليها.
فقال: يا بنت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -وعليك ما من الخلق أحب إلينا منك وأيم الله ما ذلك بمانعى إن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرهم أن يحرق عليك البيت الخبر؛وفي بعض الأخبار أن أهدم فلما دخل جاءوها فقالت أتعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وايم الله ليمضين على ما حلف عليه فانصرفوا وراكم.
صفحة ١٧
وروى السيد العباس بن أحمد بن إبراهيم في كتاب المصابيح ما رويناه عنه قال اخبرنا الرواة عن جعفر بن محمد عليه السلام قال لما بويع أبو بكر قعد عنه علي -عليه السلام- فلم يبايعه وفر إليه طلحة، والزبير، فصارا معه في بيت فاطمة – عليها السلام، وأبيا البيعة لأبي بكر، وقال كثير المهاجرين والأنصار إن هذا الأمر لا يصلح إلا لبني هاشم، وأولاهم به بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب لسابقته، وعلمه، وقرابته إلا الطلقاء، وأشباههم، فإنهم كرهوه لما في صدورهم، فجاء عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة إلى باب فاطمة عليها السلام، فقالوا والله ليخرجن للبيعة أو لنحرقن عليكم البيت، فصاحت فاطمة با رسول الله ما لقينا بعدك، فخرج عليهم الزبير مصلتا بالسيف فحمل عليهم فلما بصر به عياش قال لعمر: اتق الكلب وألقى عليه عياش كساء له حتى احتضنه وانتزع السيف من يده فضرب به حجرا فكسره.
قال أبو العباس رحمه الله عن أخبار الرواة قال قالوا: لأبي بكر قد بايعك الناس كلهم إلا هذان الرجلان علي بن أبي طالب والزبير بن العوام فأرسل إليهما فأتي بهما، وعليهما سيفاهما، فأمر بسيفيهما فأخذا ثم قيل للزبير بايع قال لا أبايع حتى يبايع علي فقيل لعلي بايع قال فإن لم أفعل فمه، فقيل يضرب الذي فيه عيناك، فمدوا يده فقبض أصابعه، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم اشهد، فمسحوا يده على يد أبي بكر، فأما سيف الزبير فإنهم كسروه بين حجرين، وأما سيف علي فردوه عليه.
وروى السيد أبو العباس رحمه الله قال: أخبرنا الرواة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كنت فيمن حمل الحطب إلى باب علي –عليه السلام –فقال عمر والله لئن لم تخرج يا علي بن أبي طالب لأحرقن البيت بمن فيه.
صفحة ١٨
قال رحمه الله: وعن بن عباس عن أبيه قال شهدت عمر بن الخطاب يوم أراد أن يحرق على فاطمة بيتها فقال إن أبو أن يخرجوا فيبايعوا أبا بكر أحرقت عليهم البيوت فقلت لعمر: إن في البيت فاطمة أفتحرقها.
قال سألتقي أنا وفاطمة. تمت رواية أبي العباس عليه السلام.
ولعل قائلا يقول إن أبا العباس كان إماميا والجواب إن صاحب الإعتراض لا يمكنه مثل هذه الدعوى الكاذبة في سادات أهل البيت، وأئمتهم والسيد العباس وأحد منهم، وسنريه أقواله منقولة من كتبهم[9-ج] المشهورة في مواضعها إن شاء الله تعالى فيظهر له أن السيد أبو العباس لم يرووا الإمارة في هذا الباب وأنه لأمطعن علينا في ذلك، وهو عليه السلام منزه عن هذه المقالة القبيحة، والمذهب الردئ.
صفحة ١٩
وكان من قول عمر في بيعة أبي بكر كانت بيعة أبي بكر فلته وقى الله شرها فمن عاد لمثلها فاقتلوه؛ ولعمري إن الأمر كما ذكر، فإنها كانت فلتة إذ كان علي –عليه السلام –وبنو هاشم مشغولين بأمر رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم –واغتنم القوم فرصتهم واشتغالهم بأمر نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم حتى استحكم أمرهم، واشتدت شوكتهم، وحاذر علي عليه السلام دخول أعداء الدين فيه وتشتت كلمة المسلمين، ولذلك قال له عمه العباس امدد يدك أبايعك فيقال عم رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم بايع- ابن أخيه فلا يختلف عليك اثنان فقال علي عليه السلام كيف؟ لو كانوا عمي حمزة حيا، وأخي جعفر باقيا؛ ومما وجد له عليه السلام في كتاب رأس اليهود، وهو مشهور بين الزيدية غير منكور تذكر شيئا من أمرهم بعد الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- قال في كلامه: ثم أمر الله ورسوله بتوجيه الجيش الذي وجه مع أسامة عند الذي حدث به من المرض الذي توفاه الله فيه؛ فلم يدع رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم أحدا من قريش، ولا الأوس والخزرج، وغيرهم من سائر العرب ممكن يخاف على بغضه، أو منازعته ورده ولا أحدا ممن يرى بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمة إلا وجهه في جيش أسامة لا من المهاجرين ولا من الأنصار، وغيرهم من المؤلفة قلوبهم، والمنافقين لتصفوا قلوب من يبقى بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه في جواره ولا يدفعني دافع عن الولاية أو القيام بأمور رعيته وأمته من بعده ثم كان آخر ما تكلم به رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم الله-في شيء من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة، وأن لا يتخلف أحد ممن أنهض معه فتقدم في ذلك أشد التقدمة، وأوعز في ذلك أبلغ الإيعاز والإنذار(1)، وأكد في ذلك أكثر التأكيد، فلم أشعر بعد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم إلا برجال من بعث أسامة، وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم – فيما أنهضهم وأمرهم به، وقدم إليهم من ملازمة أميرهم والمسير معه، وتحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي وجهه، وخلفوا أميرهم ومقيما في عسكره وأقبلوا يتبادلون على الخيل ركضا، إلى عهد عهده الله تعالى لي ولرسوله في أعناقهم، فنكثوه وعقدوا لأنفسهم عقد أضجر به أصواتهم واختصت به أراؤهم، من غير مناظرة أحد منا بني عبد المطلب، ولا مشاركة في رأي واستقالة لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك وأنا برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -وبتجهيزه مشغول عن سائر الأشياء لأنه كان أحقها وأهم ما يبدأ به منها فكانت هذه يا أخا يهود من أفدح ما ترد على القلوب مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية، وفاجع المصيبة، وفقد من لا يخلف إلا الله منه فصبرت عليها.
وقال عليه السلام في موضع آخر من مخاطبته لرأس اليهود فنزل بي من وفاة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - ما لم أكن أظن أن الجبال تنهض به فرأيت الناس من أهل بيتي بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط لنفسه، ولا يقوى على حمل قادح، ما نزل به، قد أذهب الجزع صبره ودله عقله، وحال بينه وبين الفهم والأفهام، وبين القول والإستماع، وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معزا بالصبر(1) عند وفاته، ولزوم الصمت، والأخذ بما أمرني به من تجهيزه وغسله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ووضعه في حفرته، وجميع أمانة الله، وكتابه، وعهده الذي حملناه إلى خلقه، واستودعناه فيهم، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة، ولا هياج زفرة، ولا حرقة ولا جليل مصيبة، حتى أديت الحق الواجب لله ولرسوله علي، وبلغت منه الذي أمرني رسول الله -صلى عليه وآله وسلم-، تم كلامه عليه السلام.
صفحة ٢١
وبلغنا أن عليا عليه السلام لما امتنع من بيعة أبي بكر هموا بقتله حتى روى أن أبا بكر قال في الصلاة لا يفعلن خالد ما أمرته به وكان قد أمره بقتل أمير المؤمنين حتى التفت أمير المؤمنين عليه السلام، وقال لخالد أكنت تفعل ذلك قال: نعم فقال له عمر: خفت من بني هاشم على نفسك قبل الفراغ من صلاتك، فقلت يا خالد: لا تفعل ما أمرتك، وروي لا يفعلن خالد ما أمرته وهكذا في كتاب:(المعتمد) في الإمامة لأبي القاسم [10-ج ] البستي ونحن نرويه عنه.
وروى صاحب المحيط بالإمامة، ونحن نرويه عنه بإسناد إلى أبي جعفر عن أبيه عن جده الحسين بن علي عليهما السلام قال: قال أبو بكر لخالد بن الوليد إذا صليت الصبح وسلمت فاقتل عليا.
فلما فرغ من صلاته سلم في نفسه، وصاح لا تفعل يا خالد ما أمرتك.
فقال علي عليه السلام: هو والله أضيق حلقة من أن يفعل ما أمرته، ووالله لو فعل ما خرجت أنت وأصحابك إلا مقتولين، وروى أيضا بإسناده إلى ابن عباس قال أمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يشتمل على سيف، ويصلي إلى جنب علي بن أبي طالب فإذا سلم فإن هو بايع وإلا علاه بالسيف، ثم إنه بدى لأبي بكر في ذلك فقال: قبل أن يسلم لا يفعل خالد ما أمرته به.
قال وبإسناده إلى محمد بن سالم الخياط قال: سمعت زيد بن علي عليهما السلام يقول إن أبا بكر أمر خالد بن الوليد الحديث، وروى الجاحظ هذا الخبر في الزيدية الكبرى عن جماعة من أصحاب الحديث فيهم الزهري تمت رواية صاحب المحيط، وروى السيد أبو العباس في ذلك ما رويناه عنه عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن جده الحسين بن علي عليهما السلام قال قال أبو بكر لخالد بن الوليد إذا صليت الصبح وسلمت فاقتل عليا فلما فرغ من صلاته وسلم في نفسه وصاح لا تفعل ما أمرتك، فقال: هو والله أضيق حلقه من أن يفعل ما أمرته، والله لو فعل ما خرجت أنت وأصحابك إلا مقتولين.
صفحة ٢٢