وأقبل إبراهيم على أخته فوجدها جالسة على أريكة من العاج فوق سدة مزدانة بالوشي والديباج، وقد تزيت بزي أميرات بني العباس في ذلك الزمان الناعم النضير، ووقفت خلفها جاريتها الحسناء «خلوب» في رشاقة وظرف، ممسكة بمذبة أنيقة لتذب عنها كعادة بنات الأشراف وسيدات القصور. فحياها وحيته مرحبة مهللة، وقبلت كتفه وقبل رأسها ثم جلس، فقال لها في تجمل ولطف: كيف أنت يا أختي؟ جعلني الله فداءك.
فقالت في رقة وعطف: بحمد الله يا أخي وفضله ورعايته ...
قال لها: وكيف صحة جسمك، وحال نفسك؟
فقالت: صحة سابغة، وعافية كاملة، ونفس مطمئنة، وعيشة راضية.
ونظر إبراهيم إلى «خلوب» وتشاغل بالنظر إليها، فلاحظت علية هذه النظرات، وتنبه لهذه الملاحظة فاستحيا، وخفض رأسه ثم رفعه وقال: وكيف هناؤك في حياتك يا أختي؟ - هناء عظيم أشكر الله عليه، لا ينقصني فيه شيء ولا يشغلني عنه شاغل. - وكيف أوقاتك ومجالس أنسك؟ - إنها طيبة سارة لا حظ للشيطان فيها. - وكيف أنت يا أختي؟ جعلي الله فداءك.
وجذبه النظر إلى «خلوب» فلاحظت أخته، فغض في استحياء ثم عاد يقول: وكيف هناؤك في حياتك يا أختي ... وكيف أوقاتك ومجالس أنسك ... وكيف صحة جسمك وحال نفسك؟
فنظرت إليه في عتاب وقالت: سبحان الله، أليس هذا قد مضى أمره وأجبنا عنه؟!
فازداد خجل إبراهيم وهم لينصرف مستأذنا، فضحكت أخته وقالت: لا بأس عليك يا أخي، اجلس، فوالله إني لمشوقة إلى أنسك، ولن أتركك حتى تسمع ما عندي وأسمع ما عندك!
قال إبراهيم: هات يا علية.
فنادت جواريها وغلمانها، واستدعت أخاها يعقوب بن المهدي وكان يحسن النفخ بالمزمار، وعقدت مجلسا بهيجا مؤنسا وغنت من شعرها:
صفحة غير معروفة