وانحط أبو سريع على الكرسي الذي انتفض منه وهو يقول: أهذا معقول؟! - ما هو الذي ليس معقولا؟ - ألا تخاف من أبيها؟ - أولا ليس هناك أي سبب أن أخاف أنا من أبيها، فنحن لسنا في بلدة واحدة، ولا يمكن أن يطمع في أرضك، فهو لا يغتصب أرضا خارج الولجة. - هذا أولا فما ثانيا؟ - ثانيا أنا حين أتزوج سعدية سأصبح مكان ابنه. - وما الذي يجعله يقبل؟ أنت شاب في أول حياتك ومال أبيك لا يقارن بثروته. - أبي، هل أنت حقا لا تدري السبب؟ - مال أبيها يشفع لها. - مال قارون لا يشفع لقبحها وضخامة جسمها. - فلماذا اخترتها؟ - أنا ابن أبو سريع، فلا مانع أن أكون على قدر كبير من السعي إلى القرش، حتى ولو كان في فم الأسد. - أو في فم النمر. - إذن فهل وافقت؟ - ربنا يسلم، إنني حين أخرج من عند عيدروس بعد زيارة له لا أصدق أنني على قيد الحياة. - سيتظاهر بأنه مندهش، ولكنه خبيث ويعلم أن مثل ابنته - إن كان لها مثل - من المستحيل أن تجد زوجا مثلي.
قال أبو سريع: يا سعادة البك جئتك اليوم من أجل ابني. - لطفي؟ - وهل عندي غيره؟ - سمعت أنه توظف. - نعم. - مبروك. - أجل المبروك بضع دقائق. - خيرا. - يريد أن يتزوج. - وماله، شاب متخرج في الجامعة وموظف من حقه أن يفكر في الزواج. - ليس هذا ما جئت من أجله.
وبدأ عيدروس يفهم، ولكنه في لؤم الفلاحين تخابث: فماذا تريد؟ - الولد اختار عروسا عظيمة، وبنت رجل عظيم، وأخشى كما يخشى أن نرد خائبين.
وفي نفس اللؤم قال عيدروس: أتريد أن أكلم أباها؟ - لست في حاجة إلى ذلك. - ماذا تريد مني؟ - أن تكلم نفسك. - هل جننت؟ كيف أكلم نفسي؟ - سعادتك أبو العروس. - ماذا؟
وصمت وكأنه تلقى مفاجأة، كان على ثقة أن لطفي يريد أن يتزوج ماله وسلطانه، ولكن ماذا تملك سعدية مما يرغب فيها طالبيها إلا مالي وسلطاني، فمهما تكن ابنتي فأنا أعرف مقدار جمالها. أتضحك على نفسك، وهل لها أي جمال؟ وما المانع أن يكون لطفي زوجا لها؟ ولكن علي أن أتمهل، فإن سارعت أدرك ما يعتمل في صدري. قال لأبي سريع: والله أنت فاجأتني. - أعلم ذاك. - هل هو متعجل؟ - سعادتك تعرف الشباب. - إنما لا بد أن تترك لي فرصة للتفكير. - العروسة تعرف العريس، وكان مدرسا لها. - ولكن لا بد من التفكير. - وهل يجرؤ أحد أن يقول غير هذا لها، ابنتك الوحيدة أطال الله لك عمرها، وأطال لها عمرك؟ - تعال بعد غد. - وماله، أمرك، إنما لو كان غدا يكون أحسن. - ما هذه العجلة؟ - لا نحتمل أنا وابني القلق والخوف يومين، اجعلها غدا الله لا يسيئك.
كان أبو سريع أيضا في غاية الخبث في إلحاحه هذا، فهو يريد أن يجعل عيدروس يتأكد من مقدار الرغبة الشديدة عنده وعند ابنه في إتمام هذا الزواج.
ران الصمت لحظات، ثم قال عيدروس: وهو كذلك، غدا أعطيك جوابي. - يدك أقبلها.
وقبل يده، فعلها وقام منصرفا.
وفي الغد تمت الخطبة، وبعد أسبوعين تم الزواج، وحصل عيدروس لابنته على شقة بمدينة نصر كتبها باسمها، ولم يكلف أبا سريع ولا ابنه إلا مهرا قدره بألف جنيه مقدم، ومثلها كمؤخر، فقد خشي أن يغالي في المؤخر، فيعلن بذلك عن قبح ابنته، فلم يزد المؤخر عن المقدم، وكان عيدروس يعلم كل العلم أن لطفي سيكون شبه خادم لسعدية؛ فهو - لا شك - يعرف سطوة أبيها وجبروته، والذي يقتل بالأجر لأجل الغير لا يتردد أن يقتل من أجل ابنته.
وكان أبو سريع ولطفي كلاهما يقدران كل هذا الذي دار بذهن نسيبهما الجديد، وكان لطفي يعلم غاية العلم أنه أتى لنفسه بزوجة تمتلكه جميعا، ولا يملك منها إلا ما تريد أن تجود به عليه، ولكن منذ متى كان صاحب كرامة، وهو الذي حرمه أبوه الثري أجر المواصلات إلى كليته؟! ودعنا نردد البيت الشهير الذي يصنعه لطفي، وإن كان لم يسمع به، فما كان له في الأدب نصيب مهما كان ضئيلا:
صفحة غير معروفة