وفي المرة التالية جلسنا نتحدث، فمضى هو يقص علي طرفا من حياته الموحشة القفر من الأنيس، ويتكلم في الحب ويقول إنه ليراه شيئا غامضا جليلا، ورائعا بديعا، ذا دب إلى النفس ما لبث أن غمرها من جميع نواحيها.
فابتسمت لوصفه ونبأته أنني بأحلام الحب عليمة.
فانفجر يقول لي: الله! لقد كنت أشعر بأنك ستدركين وتفهمين وأنت المرأة الأريبة الجميلة البديعة الساحرة.
فكدت أضحك وجعلت أقول لصواحبي ما بي، وأكاشفهن بما وجدت، ولكني كدت أبكي أيضا ويهجم الدمع في عيني، فقد نسيت أنني كنت بادي الرأي أحسبه غلاما مفتونا، وقد راقني أن أسمع أحاديثه عن الإعجاب بي وعن الجمال وعن الحب، وكان الغلام مفعم الفم بهذه الكلمات الكبار الجلائل، وفي كل مرة راح يقولها كنت أدرك من نظرات عينيه أنني أنا عنده المعنية بها.
وجعل يتناول يدي في يده، ولست أدري كيف رحت أتركها له وأصبر لها طويلا في يده، وكان يمسك بها في شيء من سذاجة الطفولة، ثم لا يلبث أن ينظر نظرة الطفل المتغلب على دموعه إذا أنا حاولت أن أقطع عليه فيض أحاسيسه بمحاولة اجتذابها منه.
ولقد كان والله يتعبدها تعبدا، وكنت أنثني أضحك، وتهتز نفسي اهتزازا إذا انتهت خلوتنا، متخيلة أننا كنا في حلم، ومضى الحلم.
ولكني لم أنبئ زوجي بما جرى، فما كان بوسعي أن أقف فيض هذه اللذة الجديدة التي مضت عندي أشبه شيء بعقار مخدر أدمنت تعاطيه وهيهات أن أكف عنه.
ومضيت أحدث النفس قائلة: لا ضير من ذلك ولا بأس ما دمت امرأة فاضلة ولن أعدو حد الفضيلة، فليكن هذا إذن سري الدفين الجميل.
وفي الحق أي جذل رحت أجده في أن يكون لي عند نفس ساذجة حلوة حب بليغ وإعجاب عظيم ولا يعلم الناس بأمرنا، فلقد صغرني هذا الخاطر عشر سنين وردني مفراحا طروبا هانئة، وجعلني أبدو حسناء لأول مرة في الحياة! ...
وانثنيت أعمل بنصائح صديقتي فألبس المخمل والمهفهف والغلائل الشفافة وأطيل الوقوف للزينة أمام المرآة، فعل الفتاة في مقتبل أيام الشباب، حتى بدوت في عين هذا الفتى الناشئ أشبه شيء بالمليكات ...
صفحة غير معروفة