السنة والتشريع - موسى شاهين لاشين
الناشر
مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف هدية شهر شعبان ١٤١١ هـ
مكان النشر
مجلة الأزهر
تصانيف
اجتهاد الرسول ﷺ -:
موضوع قديم، قتله العلماء بحثًا، ولم يترك الأوائل للأواخر بشأنه شيئًا، وخلاصته أنهم اختلفوا: فمنهم من لم يُجِزْ له ﷺ الاجتهاد، واعتبر ما ورد من ذلك صورة اجتهاد، وليس اجتهادًا في الواقع والحقيقة؛ لأنَّ الله معه ﷺ وهو مع الله؛ ولأنه في جُلِّ أوقاته ﷺ يناجي مَنْ لا نُناجي، وإلهامه وحي ورؤيا منامه وحي، والقرآن يقول: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ (١). ويفسِّرون ما ظاهره الرأي، وما ظاهره المشورة، وما ظاهره قبول رأي الآخرين، وما ظاهره الخطأ في الرأي والرجوع إلى قول الغير بأنَّ ذلك اجتهاد في الظاهر لتدريب الأمَّة على البحث والتفكير والاجتهاد في الأسباب والأخذ بالمشورة، وحقيقته: أنَّ الله يوحي إليه أنْ قُلْ كذا وسيقول لك فلان كذا فقُلْ له كذا وسنطبق هذا القول على الأمثلة التي ذكرها الباحث إنْ شاء الله.
وجمهور العلماء على أنَّ النبي ﷺ يجوز له أنْ يجتهد، وأنه اجتهد فعلًا، وأنَّ اجتهاده في بعض الأحيان القليلة كان خلاف حكم الله، فجاء الوحي بتصحيح الحُكم، والإرشاد إلى ما ينبغي، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (٢).
أو جاء الوحي بإمضاء حكم اجتهاده مع التنبيه بما
_________
(١) [النجم: ٣، ٤].
(٢) [التحريم: ١، ٢].
1 / 18