القيامة الصغرى
الناشر
دار النفائس للنشر والتوزيع،الأردن،مكتبة الفلاح
رقم الإصدار
الرابعة
سنة النشر
١٤١١ هـ - ١٩٩١ م
مكان النشر
الكويت
تصانيف
" الميت يعذب ببكاء أهله عليه " ثم قال: " قال أبو عيسى (هو الترمذي): حديث عمر حديث حسن صحيح، وقد كره قوم من أهل العلم البكاء على الميت، قالوا: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وذهبوا إلى هذا الحديث، وقال ابن المبارك: أرجو إن كان ينهاهم في حياته، أن لا يكون عليه من ذلك شيء " (١) .
وهذا الفقه للحديث هو مذهب القرطبي ﵁، فإنه قال: " قال بعض العلماء أو أكثرهم: إنما يعذب الميت ببكاء الحي إذا كان البكاء من سنة الميت واختياره، كما قال:
إذ أنا مت فانعيني بما أنا أهله ××× وشقي عليَّ الجيب يا ابنة معبد
وكذلك إذا وصى به (٢) .
" وقد كان النواح ولطم الخدود وشق الجيوب من شأن أهل الجاهلية، وكانوا يوصون أهاليهم بالبكاء، والنوح عليهم، وإشاعة النعي في الأحياء، وكان ذلك مشهورًا من مذاهبهم، وموجودًا في أشعارهم كثيرًا، فالميت تلزمه العقوبة في ذلك لما تقدم إليهم في وقت حياته " كذا قال ابن الأثير (٣) .
وينبغي أن ينبه هنا إلى لفظ البخاري، فقد جاء فيه: " يعذب ببعض بكاء أهله عليه"، ولا يعذب بكل البكاء، فالبكاء الذي تدمع فيه العين، ولا شق، ولا لطم معه لا يؤاخذ صاحبه به، وقد جاءت في ذلك نصوص كثيرة.
وقد تعرض العلامة ابن تيمية للمسألة وضعف مذهب البخاري والقرطبي وابن عبد البرَّ ومن سلك مسلكهم في فقه الأحاديث التي أخبرت أن الميت يعذب
_________
(١) سنن الترمذي: (٣/٣٢٦) .
(٢) التذكرة، للقرطبي: (١٠٢) .
(٣) جامع الأصول، لابن الأثير: (١٠٢) .
1 / 64