173

يقول سمطس: «إن من طبيعة الكون أن يسعى إلى تحصيل «الكلية» والكمال والبركة، والهزيمة الحقة للإنسان - وللطبقات الأخرى من الموجودات - هي في تلطيف الألم بالكف عن الجهاد، أو الكف عن السعي في سبيل الخير والصلاح، وإن النزعة التركيبية التي تنبثق من أعمق أعماق الكون كالفوارة الحية هي الضمان لنا بأننا لا نواجه الإخفاق والحبوط، وإن آمال الاستقامة والحق والجمال والخير مستكنة في طبائع الأشياء ولن تنتزع أو تضيع، وقد اتفقت كلمات الكلية والشفاء والقداسة

holiness, Wholeness, healing

في مصدرها من اللغة وفي مصدرها من الواقع والتجربة، وهي قائمة في المرتقى الوعر من الكون تنال حينا بعد حين وستنال مع الزمن منالا أصدق وأوفى، وهذا الارتقاء والاكتمال في الكليات داخل الكل الأكبر هو السعي المطرد - وإن كان بطيئا - إلى هدف الكون الكلي في النهاية.»

أي أن الموجودات تستمد طبيعة التركيبة الكاملة من وجودها في الكون ثم يصبح الكون نفسه مفتقرا إلى التركيب الكامل فلا يبلغه إلا من طريق التكامل والتراكب في تلك الموجودات.

وقد شهد سمطس الحرب العالمية الأولى وهو يشتغل بإنضاج هذا المذهب في نفسه وفي ذهنه، فلم تيئسه الحرب من طموحه إلى «الكون الكلي» بل رأى في محاولات عصبة الأمم عند إنشائها بشيرا بتحقيق الطموح إلى التركيبة الإنسانية الكلية، وما هي إلا خطوة في مرتقى «الكون الكلي» الذي تتآخى فيه التراكيب كما تتآخى الأعضاء في الجسم الواحد، فترتفع أجزاؤه عن مرتبة التنافر والعداء، إلى مرتبة التآلف والصفاء.

وهذه الشعبة من مذهب الانبثاق لا تستلزم الإلحاد ولا القول بانبثاق الإله من مادة الزمان والفضاء، بل يسأل أناس من أساطينها: من أين تأتي الخاصة الجديدة كلما ارتقت التركيبات أو المجاميع الكاملة؟ فبعضهم يقول: لعلها من منقولات كون آخر غير هذا الكون، وبعضهم يقول: لعلها من الله.

وقد نشأت في البلاد الإنجليزية مذاهب فلسفية أخرى غير مذاهب الانبثاق، واشتهر فلاسفتها في أوربة وأمريكا شهرة تضارع شهرة الانبثاقيين، وعلى رأس هؤلاء الفلاسفة، هويتهيد 1861 الفيلسوف الرياضي الواقعي الذي يعرف مذهبه بمذهب الكيان العضوي

organism

لأنه يقول بأن الكون كله «كيان عضوي» كالبنية الحية في تركيب أجزائه، وإن كل ما فيه من كيانات عضوية لها طبيعة الأجسام الحية في تجمع الأعضاء، وتساند الوظائف العضوية، فمذهبه من ثم أولى المذاهب أن يذكر مع مذاهب «البنية الحية» وإن لم يؤسس مذهبه على فكرة الانبثاق.

وعند هويتهيد أن الكون يشتمل على حوادث لا على الأشياء، وكل حادث من هذه الحوادث يتجدد على الدوام ولكنه يحتفظ بالقدم كله من أقدم الأزمان، ولا يتأتى فصل حادث منه عن الكون بحذافيره لأنه مشتبك بكل ما في الكون من زمان ومكان.

صفحة غير معروفة