172

ويمضي الفيلسوف في التقدير والتخمين فيقدر أن الإله الأعلى الذي ينبثق عنه العالم هو من معدن الروح والعقل لأنهما الطريق التي تأدينا منها إليه، ولكنه يشارك الموجودات في خصائصها الكونية كما يشترك الإنسان العاقل في خصائص المادة وخصائص سائر الأحياء على نحو من الأنحاء. •••

فالوجود على رأي هذا الفيلسوف درجات هي؛ «أولا»: وجود الزمان والمكان، و«ثانيا»: وجود المادة التي لا كيفية لها غير الشكل والحكم والعدد وما لا يحتاج إلى علاقة بغيره ولا حاسة مميزة لإدراكه، و«ثالثا»: وجود المادة التي تتكيف باللون والرائحة والصوت ويبلغ بها التركيب مبلغ التميز بالحاسة التي تناسبها، و«رابعا»: وجود الحياة وتبدأ بالاستجابة الحسية التي تشبه في ظاهرها استجابة بعض المواد - غير العضوية - لبعض المؤثرات، و«خامسا»: وجود الحياة العاقلة الواعية، و«سادسا»: وجود الإله الذي يعلو ويعلو مع الزمان الأبدي السرمدي بغير انتهاء. •••

والرأي الذي يقول به المارشال كرستيان سمطس لا يطابق رأي الإسكندر في نتائجه القصوى ولا في مبادئه الأولى، ولكنه يلتقي في عقيدة الانبثاق والتركيب، بل يجعل الكون كله «تركيبات كاملة» تترقى في مراتب التركيب وتستجد لها صفة لم تكن معهودة فيها قبل ارتقائها من مرتبتها إلى المرتبة التي تعلوها.

فليست مادة الكون شيئا واحدا متشابها متكررا على النحو الذي تخيله معظم الفلاسفة والعلماء، وليست عناصرها فتاتا متماثلا يتأتى عزل كل فتاتة منه كأنها جزء لا فرق بينه وبين سائر الأجزاء ، ولكنه مجموعة من التراكيب التي تتماسك كل تركيبة منها كما تتماسك بنية الأحياء، ولا انعزال بينها وبين ما حولها بل هي متأثرة به مؤثرة فيه، وكل جزء في التركيب يأخذ من الكل ويأخذ الكل منه، ويجري في ذلك على سنة الأعضاء في الأجسام، ومن هنا جاء اسم «الهولزم»

Holism

الذي يطلق على هذا المذهب لأنه تشتق منه كلمة

Holo

اليونانية بمعنى «الكل» أو المجموع.

فالذرة تركيبة، والعناصر الأولية تركيبة، والأخلاط الكيمية تركيبة، وكل جماد أو نبات أو ذي حياة تركيبة كاملة تلازمها صفات تناسب ذلك التركيب.

والحياة هي الصفة التي تناسب التركيبة العضوية، والعقل هو الصفة التي تناسب التركيبة الإنسانية، وكلما ارتقت التركيبة نجمت فيها خاصة جديدة لم تكن في أجزائها المتفرقة، أو في التركيبات التي هي أقل منها في طبقات الوجود.

صفحة غير معروفة