إلا أن الكلام على الفكرة الإلهية في المسيحية لا يتم بغير الإشارة إلى عقيدة الخطيئة وعقيدة التكفير.
فالأديان القديمة قد عرفت الخطيئة من عهود الإنسانية الأولى؛ لأنها عرفت المحرم
Taboo
وهو المحظور في العلاقات الجنسية أو في بعض المأكولات.
وقد عرف التكفير بعد ارتقاء الأديان، فقال الهنود والأورفيون وأتباع فيثاغورس بتناسخ الأرواح للتكفير والتطهير، وقال اليهود بالتكفير عن خطايا الشعب فسموه الخلاص، وهم يقصدون به خلاص الشعب من ربقة البابليين أو المصريين.
ولكن المسيحية جعلت للخطيئة معنى آخر وسمتها الخطيئة الأصلية، وهي مخالفة آدم أمر ربه بالأكل من الشجرة المنهي عنها، وجعلت آلام السيد المسيح كفارة عن الجنس البشري كله لوقوع آدم في تلك الخطيئة، وازداد القول بذلك تواترا بعد عهد الإصلاح. (3) الإسلام بعد الفلسفة
وكان الاستعداد لظهور الفرق والمذاهب في الإسلام على غير ما رأينا في اليهودية والمسيحية من جميع الوجوه؛ إذ كانت الأسباب مهيأة لظهورها منذ الجيل الأول، سواء من جانب الفلسفة أو من جانب المشكلات اللاهوتية التي شغلت عقول الباحثين بين اليهود والمسيحيين.
كان الإسلام خلوا من الكهانة التي تستأثر بالدرس والتأويل، وكان القرآن صريحا في الأمر المتكرر بالنظر والتفكير، وكان القرآن كتابا محفوظا في حياة النبي عليه السلام، فلم يطل العهد بالمسلمين في انتظار التدوين والاتفاق على نصوص الكتاب، وكان المسلمون يؤمنون بأن محمدا عليه السلام خاتم النبيين، فلا ينتظرون نبيا آخر يتمم الرسالة أو يغنيهم عن الاجتهاد في معاني الكتاب أو معاني الأحاديث النبوية.
ولم يجهر محمد عليه السلام بالدعوة الإسلامية حتى كانت مشكلات المذاهب المتقدمة قد ملأت آفاق الشرق العربي وانعقدت عليها الأقوال من طوائف المختلفين هنا وهناك، وتسرب الكثير منها إلى الجزيرة العربية قبل الدعوة الإسلامية سواء منها أقوال الفلاسفة وأقوال رجال الدين من جميع النحل والأجناس، وكان بعض المسلمين يسمعون بالتوراة ولم يطلعوا عليها، ولكنهم سمعوا أنها أنبأت بظهور النبي وبغير ذلك من أحداث آخر الزمان، وأن الأحبار يخفون هذه النبوءات إمعانا منهم في الكفر والضلالة وحب الرئاسة في الدنيا، وقال لهم كعب الأحبار: «ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة.»
وفهم المسلمون أن هذه الأسرار لا يعقل أن تودع في التوراة ولا تودع في القرآن، لأن الله لم يفرط في الكتاب من شيء، وإنما تبذل هذه الأسرار لأهلها، وإنما سبيلهم في معرفتها أن يتوسلوا بالتقوى ويستعينوا بمن سبقهم من أخبار الأمم الأولى، ويستدرجوهم بالمحاسنة والنصيحة إلى الكشف عنها، فلم يكن لطلاب المعرفة بد من الدخول في معترك الفرق الدينية بين من يزعم أنه على الحق ومن يقال إنه على الضلال.
صفحة غير معروفة