10 -
فكما تقترن هاتان اللفظتان في اللسان كذلك يقترن معنياهما جميعا في النفس. واقتران معنييهما في النفس يشبه اقتران هاتين اللفظتين في اللسان. وكما أن القول المؤتلف يأتلف من جزئين كذلك المقترن في النفس يأتلف من معنيين، أحد المعنيين هو الذي دل عليه الجزء الذي هو الموصوف والمعنى الآخر هو الذي دل عليه جزء القول الذي هو الصفة. مثال ذلك قولنا الشمس طالعة ، فإن المعنى المفهوم من الطالع اقتران في النفس إلى المعنى المفهوم من الشمس فحصل اقتران من معنيين هما أجزاء المقترن، أحدهما معنى الجزء الذي هو الصفة والآخر معنى الجزء الذي هو الموصوف. فالمعنى المفهوم من الموصوف يسمى أيضا المعنى الموصوف، والمفهوم من الصفة يسمى المعنى الذي هو صفة، مثل قولنا الإنسان هو حيوان، فإن المفهوم عن الإنسان يسمى المعنى الموصوف والمفهوم عن الحيوان يسمى المعنى الذي هو صفة وخبر ومسند. وقد جرت العادة في صناعة المنطق أن يسمى المعنى الموصوف والمسند إليه والمخبر عنه
والموضوعات
موضوعا، والمعنى المسند والمعنى الذي هو الصفة والخبر محمولا. وذلك مثل المفهوم من قولنا زيد هو إنسان، فإن المعنى المفهوم من زيد هو موضوع والمفهوم ها هنا من الإنسان هو المحمول. وكذلك ما أشبهه، مثل قولنا الفرس حيوان وسقراط عادل وعمرو أبيض والغراب أسود، فإن هذه وما أشبهها تأتلف من معنيين أحدهما موضوع والآخر محمول.
11 -
والمعاني المفهومة عن الأسماء منها ما شأنها أن تحمل على أكثر من موضوع واحد، وذلك مثل المعنى المفهوم من قولنا إنسان، فإنه يمكن أن يحمل على زيد وعلى عمرو وعلى غيرهما، فإن زيدا هو إنسان وعمرا هو إنسان وسقراط هو إنسان. وكذلك الأبيض قد يمكن أن يحمل على أكثر من واحد. وكذلك الحيوان والحائط والنخلة والفرس والكلب والحمار والثور وما أشبه ذلك، فإن المعاني المفهومة من جميع هذه شأنها أن تحمل على أكثر من واحد. ومنها ما ليس من شأنها أن تحمل على أكثر من موضوع واحد إما أن لا تحمل أصلا وإما إذا حملت حملت على واحد فقط، وذلك مثل المعاني المفهومة من قولنا زيد وعمرو وهذا الفرس وهذا الحائط، وكل ما أمكنت الإشارة إليه وحده، مثل هذا البياض وهذا السواد وذلك المقبل وهذا الداخل، فإن هذه المعاني إما أن لا تحمل على شيء أصلا وإما إن حملت فإنما تحمل على شيء ما وحده لا غير. وليس شيء من هذه شأنه أن يحمل على أكثر من موضوع واحد. فإن التي لا تحمل على شيء أصلا فإنها ليست تحمل على أكثر من موضوع واحد ولا أيضا على موضوع واحد. وأما التي تحمل منها فإنها إنما تحمل على موضوع واحد فقط. مثل قولنا ذاك الداخل هو زيد وهذا الذي يمشي هو عمرو والذي بناه فلان هو هذا الحائط والذي سبق هو هذا الفرس، فإن المحمولات في هذه كلها إنما تحمل على ذلك الموضوع الذي أخذ في هذا القول وحده ولا يمكن أن يحمل على غير ذلك الموضوع أصلا. وأما المعنى المفهوم من قولنا إنسان فإنه متى حمل على موضوع ما أمكن أن يؤخذ بعينه محمولا على موضوع آخر. فالمعاني التي شأنها أن تحمل على أكثر من واحد تسمى المعاني الكلية والمعاني العامة والعامية، والمعاني المحمولة على كثيرين. وما لم يكن من شأنه أن يحمل على أكثر من واحد لكن إما أن لا يحمل على شيء أصلا وإما أن يحمل على واحد فقط لا غير فإنها تسمى الأشخاص.
4 -
12 -
والكليات منها ما ينحاز كل واحد منها بالحمل على أشخاص ذوات عدد فيحمل عليها وحدها ويكون كل واحد منها محمولا على أشخاص غير الأشخاص التي يحمل عليها الكلي الآخر. ومنها ما يشترك عدة منها في الحمل على أشخاص واحدة بأعيانها. مثال الأول الإنسان والفرس. فإن الإنسان وهو كلي يحمل على زيد وعمرو. والفرس والحمار وهو كلي يحمل على الحرون وعلى هذا الفرس وهذا الحمار، فقد انحاز بالحمل على أشخاص غير أشخاص الإنسان. فإن الفرس ليس يمكن أن يحمل على زيد ولا الإنسان على هذا الحمار، وكذلك الثور والحمار والكلب والغراب وما أشبه ذلك. ومثال الصنف الثاني الحيوان والإنسان والحساس والأبيض، فغن هذه كلها كليات قد تشترك في الحمل على زيد وعمرو. فإن زيدا هو إنسان وهو حيوان وهو حساس وهو أبيض.
صفحة ٦