بسم الله الرحمن الرحيم
1 - الألفاظ المفردة
1 - منها ما هو اسم ومنها ما هو فعل
قيل إن الألفاظ الدالة منها ما هو اسم، ومنها ما هو كلم - والكلم هي التي يسميها أهل العلم باللسان العربي الأفعال - ومنها ما هو مركب من الأسماء والكلم. فالأسماء مثل زيد وعمرو وإنسان وحيوان وبياض وسواد وعدالة وكتابة وعادل وكاتب وقائم وقاعد وأبيض وأسود، وبالجملة كل لفظ مفرد دال على المعنى من غير أن يدل بذاته على زمان المعنى. والكلم هي الأفعال مثل مشى ويمشي وسيمشي، وضرب ويضرب وسيضرب، وما أشبه ذلك. وبالجملة فإن الكلمة لفظة مفردة تدل على المعنى وعلى زمانه. فبعض الكلم يدل على زمان سالف مثل كتب وضرب، وبعضها على المستأنف مثل سيضرب، وبعضها على الحاضر مثل قولنا يضرب الآن. والمركب من الأسماء والكلم منه ما هو مركب من اسمين مثل قولنا زيد قام وعمرو إنسان والفرس حيوان، ومنه ما هو مركب من اسم وكلمة مثل قولنا زيد يمشي وعمرو كتب وخالد سيذهب وما أشبه ذلك.
2 - ومنها ما يسميه النحويون الحروف
ومن الألفاظ الدالة الألفاظ التي يسميها النحويون الحروف التي وضعت دالة على معان. وهذه الحروف هي أيضا أصناف كثيرة، غير أن العادة لم تجر من أصحاب علم النحو العربي إلى زماننا هذا بأن يفرد لكل صنف منها اسم يخصه، فينبغي أن نستعمل في تعديد أصنافها الأسامي التي تأدت إلينا عن أهل العلم بالنحو من أهل اللسان اليوناني فإنهم أفردوا كل صنف منها باسم خاص. فصنف منها يسمونه الخوالف، وصنف منها يسمونه الواصلات، وصنف منها يسمونه الواسطة، وصنف منها يسمونه الحواشي، وصنف منها يسمونه الروابط. وهذه الحروف منها ما قد يقرن بالأسماء، ومنها ما قد يقرن بالكلم، ومنها ما قد يقرن بالمركب منهما. وكل حرف من هذه قرن بلف فإنه يدل على أن المفهوم من ذلك اللفظ هو بحال من الأحوال.
3 - ما يستعمله الجمهور وما يستعمله أصحاب العلوم
وينبغي أن نعلم أن أصناف الألفاظ التي تشتمل عليها صناعة النحو قد يوجد منها ما يستعمله الجمهور على معنى ويستعمل أصحاب العلوم ذلك اللفظ بعينه على معنى آخر. وربما وجد من الألفاظ ما يستعمله أهل صناعة على معنى ما ويستعمله أهل صناعة أخرى على معنى آخر. وصناعة النحو تنظر في أصناف الألفاظ بحسب دلالاتها المشهورة عند الجمهور لا بحسب دلالتها عند أصحاب العلوم. ولذلك إنما يعرف أصحاب النحو من دلالات هذه الألفاظ دلالاتها بحسب ما عند الجمهور لا بحسب ما عند أهل العلوم. وقد يتفق في كثير منها أن تكون معاني الألفاظ المستعملة عند الجمهور هي بأعيانها المستعملة عند أصحاب العلوم. ونحن متى قصدنا تعريف دلالات هذه الألفاظ فإنما نقصد للمعاني التي تدل عليها هذه الألفاظ عند أهل صناعة المنطق فقط، من قبل أنه لا حاجة بنا إلى شيء من معاني هذه الألفاظ سوى ما يستعمله منها أصحاب هذه الصناعة، إذ كان إنما نظرنا حيننا هذا فيما تشتمل عليه هذه الصناعة وحدها. فأما متى نظرنا في المعاني المشهورة عند الجمهور استعملنا هذه الألفاظ بحسب دلالتها عندهم لا بحسب دلالتها عند أصحاب العلوم. والحال في هذه كالحال في الصنائع التي يتعاطاها الجمهور. فإن النجار غنما يخاطب فيما تشتمل عليه صناعة النجارة بالألفاظ المشهورة عند النجارين، وكذلك الفلاحة والطب وسائر الصنائع. فكذلك في هذه الصناعة التي نحن بسبيلها إنما ينبغي أن نذكر من دلالات أصناف الألفاظ بحسب دلالتها عند أهل هذه الصناعة. فلذلك لا ينبغي أن يستنكر علينا متى استعملنا كثيرا من الألفاظ المشهورة عند الجمهور دالة على معان غير المعاني التي تدل عليها تلك الألفاظ عند النحويين وعند أهل العلم باللغة التي يتخاطب بها الجمهور، إذ كنا ليس نستعملها بحسب دلالتها عندهم، إلا ما اتفق فيه أن كانت دلالته عند أهل هذه الصناعة بحسب دلالته عند الجمهور.
2 -
4 - الخوالف
فالخوالف نعني بها كل حرف معجم أو كل لفظ قام مقام الإسم متى لم يصرح بالاسم، وذلك مثل حرف الهاء من قولنا ضربه والياء من قولنا ثوبي والتاء من قولنا ضربت وضربت وأشباه ذلك من الحروف المعجمة التي تخلف الاسم وتقوم مقامه، ومثل قولنا أنا وأنت وهذا وذلك وما أشبه ذلك، وهي كلها تسمى الخوالف.
5 - الواصلات
صفحة ١
والواصلات هي أصناف. فمنها الحروف التي نستعملها للتعريف، مثل ألف ولام التعريف، ومثل قولنا الذي وأشباهه. ومنها الحروف التي متى قرنت بالإسم دلت على أن المسمى قد نودي باسمه ودعي، مثل يا ويا أيها. ومنها الحروف التي تقرن بالإسم فتدل على أن الحكم الواقع على المسمى هو حكم واقع على جميع أجزاء المسمى، وهو مثل قولنا كل. ومنها ما يدل أنه حكم على شيء من أجزائه
6 -
والواسطة هي كل ما قرن باسم ما فيدل على أن المسمى به منسوب إلى آخر وقد نسب إليه شيء آخر، مثل من وعن وإلى وعلى وما أشبه ذلك.
7 -
والحواشي هي أصناف كثيرة. منها الحروف التي تقرن بالشيء فتدل على أن ذلك الشيء ثابت الوجود وموثوق بصحته، مثل قولنا إن مشددة النون. ومثال ذلك قولنا إن الله واحد وإن العالم متناه. فلذلك ربما سمي وجود الشيء إنيته، ويسمى ذات الشيء إنيته. وكذلك أيضا جوهر الشيء يسمى إنيته. فإنا كثيرا ما نستعمل قولنا إنية الشيء بدل قولنا جوهر الشيء، فنرى أنه لا فرق بين أن نقول ما جوهر هذا الثوب وبين أن نقول ما إنيته. لكن هذه ليست مشهورة مثل تلك عند الجمهور، وأصحاب العلوم يستعملونها كثيرا. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه قد نفي، مثل ليس ولا. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه قد أثبت، مثل قولنا نعم. وليس يخفى علينا أن قولنا ليس يرتبه كثير من أصحاب النحو في الكلم لا في الحروف، وكذلك كثير مما سنعده في الحروف يرتبه كثير من النحويين لا في الحروف لكن إما في الإسم وإما في الكلم. ونحن إنما نرتب هذه الأشياء بحسب الأنفع في الصناعة التي نحن بسبيلها. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مشكوك فيه، مثل قولنا ليت شعري. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه قد حدس حدسا، مثل قولنا كأن ويشبه أن يكون ولعل وعسى. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مطلوب معرفة مقداره، مثل قولنا كم. فإنا إذا قلنا كم هذا الشيء فإنا إنما ندل بهذا الحرف على أن الشيء مطلوب عندنا معرفة مقداره. ومنها ما يدل على أنه مطلوب معرفة زمان وجوده، مثل قولنا متى. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مطلوب معرفة مكانه، مثل قولنا أين.
والمقصود من كل ما طلب معرفته هو معرفة ما قصد بالطلب. فمتى طلب معرفة مقدار الشيء فغاية الطلب هي الوقوف على مقداره. وكذلك المطلوب زمانه فإن غاية الطلب هي الوقوف على زمان الشيء. وكذلك ما طلب معرفة مكانه، فغاية الطلب هي الوقوف على مكانه. وكل مسألة طلب بها معرفة شيء من عند إنسان فأنها توجب على المسؤول أن يجيب بأمر يفيد به السائل معرفة الشيء الذي هو مقصوده بمسألته. فمتى كانت المسألة عن مقدار الشيء أوجبت على المسؤول أن يجيب بأمر يفيد به السائل معرفة مقدار الأمر الذي طلبه بالمسألة. وكذلك متى كانت المسألة عن مكان الشيء، فإنها توجب على المسؤول أن يجيب بأمر يفيد به السائل معرفة مكانه. وكذلك متى كانت المسألة عن زمان الشيء.
والأمر الذي يستعمله المجيب في إفادة السائل مطلوبه يسمى باسم الحروف التي يستعملها السائل في الطلب أو باسم مشتق من اسم الحروف التي يستعملها السائل. والأمر الذي يستعمله المجيب في إفادة مقدار الشيء يسمى كمية، وهي مشتق من الحرف الذي يستعمله السائل عن مقدار الشيء. والذي يستعمله المجيب في إفادة زمان الشيء يسمى متى، وهو اسم ليس مشتقا من الحرف المستعمل في الطلب، لكن نقل إليه الحرف بعينه فسمي به. والأمر الذي يستعمله المجيب في إفادة مكان الشيء فإنه يسمى أين، وهو مسمى باسم الحرف الذي يستعمله السائل على جهة النقل لا على جهة الاشتقاق.
صفحة ٢
ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مطلوب معرفة وجوده لا معرفة مقداره ولا زمانه ولا مكانه، مثل قولنا هل. فإنه متى قلنا هل الشيء فإنما نطلب معرفة وجوده فقط. وهذا الحرف يقرن أكثر ذلك باللفظ المركب، مثل قولنا هل زيد منطلق وهل عمرو راحل وهل سقراط في الدار. وقد يقرن أحيانا بالاسم فقط. وليس يقرن به وحده أو يضمر معه شيء آخر سوى ما يدل عليه ذلك الإسم فقط. فإننا متى قلنا هل زيد، ولم يضمر معه موجود أو في الدار أو منطلق أو ما أشبه ذلك، كان القول باطلا. فإذن إنما يقرن هذا الحرف أبدا يلفظ مركب قد أطهرت أجزاؤه بأسرها أو بمركب قد اضمر بعض أجزائه. فإن إنما يقرن بالمركب أبدا. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أن المطلوب من الشيء تصور ذات الشيء فقط، لا معرفة وجوده ولا معرفة شيء آخر سوى ذاته، لا مقداره ولا زمانه ولا مكانه. وذلك مثل قولنا ما وما هو. فإنا متى قلنا ما الشيء أو ما هو الشيء، فإنما نطلب بهذا الحرف تصور معرفة ذات الشيء لا غير. والدليل على أن هذا الحرف ليس يدل على أن الشيء مطلوب وجوده أنه لو قرنا قولنا موجود بقولنا ما الشيء لصار القول غير مفهوم، بمنزلة قولنا ما هو الشيء موجود. فإن هذا القول باطل متى استملنا قولنا ما هو حرف طلبه. فإن هذا الحرف ربما استعمل مكان قولنا ليس، فحينئذ يكون قولنا ما الشيء موجود مفهوم المعنى. ومتى استعمل حرف طلب كان باطلا. ونحن فلم نأخذه في هذا المكان دالا على ما دل عليه قولنا ليس، لكن إنما أخذناه حرف طلب. ومتى أخذ حرف طلب فقيل ما هو الشيء موجود، كان القول باطلا. ومسألتنا ما هو الشيء إذا طلب منها معرفة ذات الشيء فإنما يصلح أن يكون بعد المعرفة بوجود الشيء. والدليل على ذلك أنا لو قلنا فيما لا نراه ولا نعلم وجوده ما ذاك الشيء، وما هو الشيء، لكان القول باطلا. وقد يطلب به فهم معنى الإسم، وذلك قد لا يمتنع أن يكون قبل المعرفة بوجود الشيء. وكذلك طلب مقدار الشيء وزمانه ومكانه إنما يكون بعد المعرفة بوجود الشيء. فإنا إذا قلنا أين فلان ونحن لا ندري هل هو موجود في العالم أم لا، كان القول باطلا. وكذلك إذا قلنا متى جاء فلان ونحن لا نعلم هل جاء أم لا، كان القول باطلا.
وحرف ما الذي يدل به على أن الشيء مطلوب معرفة ذاته إنما يقرن أبدا بالإسم المفرد أو ما كان بمنزلة المفرد. مثال ذلك قولنا ما الإنسان وما هي الشمس وما هو القمر وما الحركة وما السكون وما كسوف القمر، فإن هذه مركب يجري مجرى المفرد. ولو قرناه بالمركب الذي ليس يجري مجرى المفرد لكان القول غير مفهوم، بمنزلة ما لو قلنا ما الإنسان حيوان وما القمر ينكسف وما أشبه ذلك، فإن هذه أقاويل غير مفهومة. وكل مسألة كما قلنا فإنها توجب على المسؤول أن يجيب بأمر يفيد به معرفة المطلوب بالمسألة. والأمر الذي يستعمل في إفادة ما يتعرف بمسألة ما هو الشيء هو أحد أمرين، إما أمر يدل عليه بلفظ مفرد أو أمر يدل عليه بلفظ مركب. مثال ذلك قول القائل ما هذا الشيء - فلننزل أن المسؤول عنه كانت نخلة - فإن المجيب متى قال هذا الشيء هو نخلة فقد استعمل في إفادته أمرا يدل عليه باسم مفرد، ومتى قال هذه شجرة تثمر الرطب فقط استعمل في الجواب أمرا يدل عليه بقول مركب. وبأي هذين أجاب المجيب به فقد وفى السائل مطلوبه، إلا أن أحد الأمرين يدل على النخلة باسم مفرد والثاني يدل عليه يلفظ مركب. فالأمر الذي ينبغي أن يستعمل في جواب ما هو الشيء إذا كان يدل عليه بلفظ مركب فإنه يسمى ما هية الشيء، ويسمى أيضا القول الدال على ما هو الشيء أو على جوهر الشيء أو على إنية الشيء أو طبيعة الشيء، ويسمى قول جوهر الشيء أيضا.
صفحة ٣
ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مطلوب معرفة صيغته وهيئته. وصيغة الشيء قد تكون صيغة نفسه - أعنى صيغته التي بها أثبتت ذات الشيء نفسه - ، مثل أن صيغة الخف التي بها أثبتت خفيته هو أني يكون كذا وكذا، فمتى لم تكن تلك الصيغة لم يكن خف ومتى كانت كان خف. وكذلك في واحد واحد من الأشياء. فإن الخاتم صيغة ذاته هي التي بها أثبتت ذات الشيء. وقد تكون الصيغة أحوالا للشيء توجد له بعد استكمال وجود ذاته، مثال ذلك الثوب، فإن نساجته واشتباك لحمته لسداه هو صيغته التي بها وجدت ذاته. فأما متى قصر بعد ذلك أو لون لونا ما أو صقل فإن تلك - أعني القصارة او اللون أو الصقال والبريق - هي صيغ للثوب وليست التي بها أثبتت ذاته، لكن هي أحوال توجد للثوب بعد استكمال ذاته وتؤخذ صيغا له وهيئات. ومتى تامل واحدا واحدا من المحسوسات تبين للإنسان هذان الصنفان من الصيغ والهيئات. والصنف الذي به تثبت ذات الشيء تسمى صيغ ذات الشيء، والصنف الآخر الذي لا تثبت به تسمى الصيغ الخارجة عن ذات الشيء. والحرف الذي يقرن بالشيء فيدل على أنه مطلوب معرفة صيغته بالجملة فهو حرف كيف. فإنا إذا قلنا كيف الشيء فطلبنا هو معرفة صيغة الشيء، إما صيغة ذاته وإما الخارجة عن ذاته. فإنا متى قلنا كيف زيد فأجبنا أنه صالح أو طالح أو مريض، كنا قد أجبنا بصيغ زيد الخارجة عن ذاته. ويشبه أن تكون الصيغ التي بها يثبت الشيء خفيت عن الجمهور، فلذلك لا تكاد تجد لها أسامي مشهورة. وخليق أن يكون قولهم كيف عمل هذا الشيء، يطلب به صيغة العمل. وأما الصيغة الخارجة فهو الذي يعتاد الجمهور أن يستعملوا حرف كيف في المسألة عنها. والأمور التي تستعمل في إفادة الصيغ وفي الجواب عن المسألة بكيف الشيء، فإنها تسمى الكيفيات، وهو اسم مشتق من الحرف المستعمل عند المسألة. وما كان منها يفاد به صيغة ذات الشيء فإنها تسمى كيفية ذاتية، وربما سماها بعض الناس كيفيات جوهرية. وما كان منها يليق أن يفاد به السيغ الخارجة فإنها تسمى كيفيات عرضية وربما قيلت كيفيات غير ذاتية.
ومن الحروف ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مطلوب تمييزه عن غيره أو مطلوب معرفة ما يتميز به عن غيره، مثل قولنا أي شيء هو وأيما هو. وهذه المألة إنما تستعمل إذا كان الشيء بحيث يمكن ان يلتبس أمره ويخشى أن يؤخذ غيره بدله، وإنما يمكن ذلك متى كان هناك آخر غيره. فإنا متى قلنا أيما هو زيد وأي شيء هو زيد ولم نعرف شيئا غيره فإن مسألتنا باطلة. وأما قولنا ما الإنسان فإنه قد يمكن أن نسأل هذه المسألة وإن لم يكن شيء سوى ذلك المسؤول عنه. وكذلك نقول كيف زيد وإن لم نكن عرفنا غير زيد ولا أيضا لو لم يكن في العالم غير زيد. ومتى قلنا أيما هو زيد ولم يكن في العالم غير ذلك كانت مسألتنا باطلة. وجميع ما يؤخذ في جواب المسألة عن الشيء كيف هو قد يليق أن يستعمل في الجواب عن الأمر أي شيء هو. وكثير مما يليق أن يستعمل في جواب أي شيء هو لا يليق أن يستعمل في جواب المسألة كيف. والكيفيات لما كانت منها ما يفاد به الصيغ الخارجة عن ذات الشيء.
ومنها ما يفاد به معرفة صيغة ذات الشيء، صارت الكيفيات المفيدة صيغ ذوات الأشياء متى أخذت في جواب أي شيء هو تفيد ما يتميز به الشيء في ذاته عن غيره، وكانت الكيفيات التي تفيد الصيغ الخارجة عن ذات الشيء متى أخذت في جواب أي شيء هو تفيد ما يتميز به الشيء في أحواله عن غيره. وتميز الشيء في ذاته عن غيره هو مثل تميز النخلة بما هي نخلة عن الزجاج وتميز زيد عن عمرو بأن ذا صالح وذا طالح، فإنا نعلم يقينا أن زيدا ليس يتميز عن عمرو بمثل تميزه عن الصوف.
الحواشي
ومن الحواشي الحروف التي متى قرنت بالشيء دلت على أنه مطلوب معرفة سببه، مثل قولنا لم وما بال وما شأن وما أشبه ذلك. وهذه الحروف إنما يستقيم أن تقرن بالشيء متى كان معلوم الوجود. فإنا إذا قلنا ما بال فلان يفعل كذا وكذا، ولم يعلم أنه يفعل، كان القول باطلا. وأيضا فإن هذا الحرف إنما يقرن أكثر ذلك بما يدل عليه اللفظ المركب، مثل قولنا لم يفعل زيد كذا وما أشبه ذلك. وقد يقرن أحيانا باللفظ المفرد متى أضمر معه شيء آخر مثل قولنا لماذا خرج، متى فهم عنا بالضمير زيد، فلو لم تكن الحال حلا يفهم من هذا القول ما يفهم من قولنا لماذا خرج زيد كان القول باطلا، والشيء الذي يقرن به هذا الحرف ينبغي أن يجتمع فيه أمران، أحدهما أن يكون قد علم وجوده من قبل والثاني ان يكون مركبا. وكذلك قولنا ما هو ينبغي أن يقرن بالشيء الذي يجتمع فيه أمران، أحدهما أن يكون قد علم وجوده والآخر أن يون ذلك الشيء مفردا - أعني أن يدل عليه لفظ مفرد أو ما سبيله سبيل لفظ مفرد. وهذان الحرفان - أعني ما هو ولم هو - يتشابهان في أن الشيء الذي يقرنان به ينبغي أن يكون معلوم الوجود ومختلفان في أن الشيء الذي يقرن به ما هو ينبغي ان يكون مفردا والشيء الذي يقرن به حرف لم ينبغي أن يكون مركبا.
8 - الروابط
صفحة ٤
والروابط هي أيضا اصناف. منها الحرف الذي يقرن بألفاظ كثيرة فيدل على أن معاني تلك الألفاظ قد حكم على كل واحد منها بشيء يخصه، مثل قولنا إما مكسورة الألف مشددة الميم. ومنها ما يقرن بالشيء الذي لم يوثق بعد بوجوده فيدل على أن شيئا ما تاليا له يلزمه، مثل قولنا إن كان وكلما كان ومتى كان وإذا كان وما أشبه ذلك. وهذه الرباطات تضمن الثاني بالأول متى وجد الأول، فيسمى لذلك الرباط المضمن، من قبل أنه يدل على أن الأول قد تضمن لحاق الثاني به، مثل قولنا إن دخل زيد خرج عمرو، ومثل إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، فإن طلوع الشمس قد تضمن لحوق وجود النهار. غير أن طلوع الشمس لم يوثق بعد بكونه. فلذلك تسمى هذه الحروف المضمنات بشريطة، وربما سميت شرائط. ومن الحروف المضمنة ما إنما يقرن أبدا بالشيء الذي قد وثق بوجوده أو بصحته فيدل على أن تاليا ما لازم له، مثل لما وإذ. مثال ذلك قولنا لما طلعت الشمس كان النهار ولما جاء الصيف اشتد الحر ولما كانت الشمس مقاطرة للقمر انكسف القمر، فإن هذا الحرف دل على أن الأول متضمن لحاق الثاني به بعد أن وثق بوجود الأول. فلذلك يسمى هذا الحرف المضمن جزما. ومنها الحرف الذي يقرن بألفاظ فيدل على أن كل واحد منها قد تضمن مباعدة الآخر، مثل قولنا أما، فإن هذا يدل على أن الأشياء التي قرن بها هذه قد تضمنت تباعد بعض عن بعض بوجه ما، فلذلك يسمى الرباط الدال على الانفصال عن التالي له. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه خارج عن حكم سابق في شيء قدم في القول فظن أنه يلحق هذا الثاني، مثل قولنا لكن - المشددة والمخففة جميعا - وإلا أن. فهذه تستعمل أبدا في الدلالة على أن الشيء المقرون به خارج عن حكم سابق على أمر قدم في القول. وذلك مثل قولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود لكن الشمس طالعة أو إلا أن الشمس طالعة. فإن قولنا إن كانت الشمس طالعة دال على أن طلوع الشمس لم يوثق بعد به، وقولنا لكن أخرجه عن الحكم الذي كان سبق فيه أولا وظن أن ذلك الحكم باق عليه في أي مرتبة وضع فيها من أجزاء القول. فلما قرن به بعد ذلك قولنا لكن أو إلا أن دل على أن الحكم السابق عليه ليس هو جاريا عليه دائما لكن حين كرر كرر وقد وثق بوجوده. وهذه تسمى حروف الاستثناء. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه غاية لشيء سبقه، مثل قولنا كي واللام التي تقوم مقامه. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه سبب لشيء سبقه في اللفظ أو لشيء يتلوه، مثل قولنا لأن ومن أجل ومن قبل. ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أن ذلك الشيء لازم عن شيء آخر موثوق به وقد سبقه، مثل قولنا فإذن وما قام مقامه.
وهذه هي أصناف الألفاظ المفردة، وقد عد من كل صنف مقدار الكفاية فيما نحن بسبيله.
3 - الألفاظ المركبة
9 - الأقاويل
والألفاظ المركبة إنما تتركب عن هذه الأصناف - أعني عن الأسماء والكلم والحروف وجميع الألفاظ المتركبة عن هذه تسمى الأقاويل، ولذلك تسمى هذه أجزاء الأقاويل. والألفاظ المفردة قد يتركب بعضها مع بعض أصنافا من التركيب كثيرة. وليست بنا حاجة حيننا إلى ذكر جميع أصناف تركيبها، لكنا إنما نحتاج منها إلى صنف واحد من أصناف التركيب. وهو أن الاسمين قد يتركبان تركيبا يصبر به أحدهما صفة والآخر موصوفا. وذلك مثل قولنا زيد ذاهب وعمرو منطلق، فإن هذين تركبا تركيبا صار به أحدهما صفة والآخر موصوفا، فزيد هو الموصوف وذاهب صفة. واللفظ المركب هذا التركيب هو كل ما يليق أن يقرن به حرف إن المشددة فيكون القول تاما مفهوما، مثل قولنا إن زيدا ذاهب وإن الإنسان حيوان وإن حيوانا ما فرس. والصفة من هذين كل ما صلح أن يقرن به قولنا هو، مثل زيد هو ذاهب، فإن كل ما جاز أن يردف بعد حرف هو وتقدم قبله حرف هو فهو صفة، مثل قولنا الفرس هو حيوان وزيد هو إنسان. وبعض الناس يسمون الموصوف المسند إليه ويسمون الصفة مسندا، وربما سموا الصفة الخير والمخبر به والموصوف المخبر عنه. فقولنا زيد هو موصوف ومسند إليه ومخبر عنه، وذاهب هو صفة وخبر ومخبر به ومسند. وقد يتركب هذا التركيب من اسم وكلمة، مثل قولنا زيد يمشي. وكل واحد من هذه الأقاويل هو متركب عن لفظين هما جزءاه أحدهما صفة والآخر موصوف.
صفحة ٥
10 -
فكما تقترن هاتان اللفظتان في اللسان كذلك يقترن معنياهما جميعا في النفس. واقتران معنييهما في النفس يشبه اقتران هاتين اللفظتين في اللسان. وكما أن القول المؤتلف يأتلف من جزئين كذلك المقترن في النفس يأتلف من معنيين، أحد المعنيين هو الذي دل عليه الجزء الذي هو الموصوف والمعنى الآخر هو الذي دل عليه جزء القول الذي هو الصفة. مثال ذلك قولنا الشمس طالعة ، فإن المعنى المفهوم من الطالع اقتران في النفس إلى المعنى المفهوم من الشمس فحصل اقتران من معنيين هما أجزاء المقترن، أحدهما معنى الجزء الذي هو الصفة والآخر معنى الجزء الذي هو الموصوف. فالمعنى المفهوم من الموصوف يسمى أيضا المعنى الموصوف، والمفهوم من الصفة يسمى المعنى الذي هو صفة، مثل قولنا الإنسان هو حيوان، فإن المفهوم عن الإنسان يسمى المعنى الموصوف والمفهوم عن الحيوان يسمى المعنى الذي هو صفة وخبر ومسند. وقد جرت العادة في صناعة المنطق أن يسمى المعنى الموصوف والمسند إليه والمخبر عنه
والموضوعات
موضوعا، والمعنى المسند والمعنى الذي هو الصفة والخبر محمولا. وذلك مثل المفهوم من قولنا زيد هو إنسان، فإن المعنى المفهوم من زيد هو موضوع والمفهوم ها هنا من الإنسان هو المحمول. وكذلك ما أشبهه، مثل قولنا الفرس حيوان وسقراط عادل وعمرو أبيض والغراب أسود، فإن هذه وما أشبهها تأتلف من معنيين أحدهما موضوع والآخر محمول.
11 -
والمعاني المفهومة عن الأسماء منها ما شأنها أن تحمل على أكثر من موضوع واحد، وذلك مثل المعنى المفهوم من قولنا إنسان، فإنه يمكن أن يحمل على زيد وعلى عمرو وعلى غيرهما، فإن زيدا هو إنسان وعمرا هو إنسان وسقراط هو إنسان. وكذلك الأبيض قد يمكن أن يحمل على أكثر من واحد. وكذلك الحيوان والحائط والنخلة والفرس والكلب والحمار والثور وما أشبه ذلك، فإن المعاني المفهومة من جميع هذه شأنها أن تحمل على أكثر من واحد. ومنها ما ليس من شأنها أن تحمل على أكثر من موضوع واحد إما أن لا تحمل أصلا وإما إذا حملت حملت على واحد فقط، وذلك مثل المعاني المفهومة من قولنا زيد وعمرو وهذا الفرس وهذا الحائط، وكل ما أمكنت الإشارة إليه وحده، مثل هذا البياض وهذا السواد وذلك المقبل وهذا الداخل، فإن هذه المعاني إما أن لا تحمل على شيء أصلا وإما إن حملت فإنما تحمل على شيء ما وحده لا غير. وليس شيء من هذه شأنه أن يحمل على أكثر من موضوع واحد. فإن التي لا تحمل على شيء أصلا فإنها ليست تحمل على أكثر من موضوع واحد ولا أيضا على موضوع واحد. وأما التي تحمل منها فإنها إنما تحمل على موضوع واحد فقط. مثل قولنا ذاك الداخل هو زيد وهذا الذي يمشي هو عمرو والذي بناه فلان هو هذا الحائط والذي سبق هو هذا الفرس، فإن المحمولات في هذه كلها إنما تحمل على ذلك الموضوع الذي أخذ في هذا القول وحده ولا يمكن أن يحمل على غير ذلك الموضوع أصلا. وأما المعنى المفهوم من قولنا إنسان فإنه متى حمل على موضوع ما أمكن أن يؤخذ بعينه محمولا على موضوع آخر. فالمعاني التي شأنها أن تحمل على أكثر من واحد تسمى المعاني الكلية والمعاني العامة والعامية، والمعاني المحمولة على كثيرين. وما لم يكن من شأنه أن يحمل على أكثر من واحد لكن إما أن لا يحمل على شيء أصلا وإما أن يحمل على واحد فقط لا غير فإنها تسمى الأشخاص.
4 -
12 -
والكليات منها ما ينحاز كل واحد منها بالحمل على أشخاص ذوات عدد فيحمل عليها وحدها ويكون كل واحد منها محمولا على أشخاص غير الأشخاص التي يحمل عليها الكلي الآخر. ومنها ما يشترك عدة منها في الحمل على أشخاص واحدة بأعيانها. مثال الأول الإنسان والفرس. فإن الإنسان وهو كلي يحمل على زيد وعمرو. والفرس والحمار وهو كلي يحمل على الحرون وعلى هذا الفرس وهذا الحمار، فقد انحاز بالحمل على أشخاص غير أشخاص الإنسان. فإن الفرس ليس يمكن أن يحمل على زيد ولا الإنسان على هذا الحمار، وكذلك الثور والحمار والكلب والغراب وما أشبه ذلك. ومثال الصنف الثاني الحيوان والإنسان والحساس والأبيض، فغن هذه كلها كليات قد تشترك في الحمل على زيد وعمرو. فإن زيدا هو إنسان وهو حيوان وهو حساس وهو أبيض.
صفحة ٦
13 -
والكليات المشتركة في الحمل على أشخاص واحدة بأعيانها منها ما يشترك في الحمل ويقتصر أحدهما في الحمل على تلك العدة من الأشخاص فقط ولا يحمل على ما سواها من الأشخاص، وبفضل مشاركة الآخر في الحمل حتى يحمل على تلك وعلى غيرها. مثال ذلك الحيوان والإنسان، فإنهما يحملان جميعا على زيد وعلى عمرو، والإنسان يقتصر به على زيد وعمرو، والحيوان يحمل عليهما وعلى الحرون وهذا الحمار، فيفضل الحيوان على الإنسان في الحمل حتى يحمل على أشياء كثيرة غير ما يحمل عليه الإنسان. وكذلك الأبيض فإنه يشارك الإنسان في الحمل على زيد وعمرو ويحمل أيضا على أشياء كثيرة لا يحمل عليها الإنسان، فهو أيضا يفضل الإنسان في الحمل. ومنها ما يشترك في الحمل فإذا حمل أحدهما على أشخاص حمل مشاركه على تلك بعينها وعليها وحدها ولا يحمل على أشخاص سواها. مثال ذلك الإنسان والضحاك، فإنهما مشتركان في الحمل على أشخاص ما وليس يفضل أحدهما على الآخر لكن يقتصر بكل واحد منهما على أشخاص واحدة بأعيانها فمتى حمل أحدهما على شيء كان الآخر محمولا على ذلك وحده ولم يحمل على أشخاص سواها. ومثال ذلك أيضا الحيوان والحساب فإنهما يشتركان في الحمل والأشخاص التي يحمل عليها الحيوان فإن الحساس يحمل على تلك وحدها. والمشتركة التي يفضل أحدهما في الحمل على الآخر فالفاضل منهما يسمى الأعم والمفضول يسمى الأخص ويسمى الجزئي، والمشتركة التي لا تتفاضل في الحمل تسمى المتساوية في الحمل والمتساوقة في الحمل. والحيوان أعم من الإنسان والإنسان أخص. فأما الحيوان والحساس فإنهما متساويا ومتساوقان في الحمل.
14 -
والمشتركة التي يفضل أحدهما على الآخر منها ما الفاضل هو فاضل للآخر أبدا والمفضول هو أخص من الفاضل أبدا، مثل الحيوان والإنسان المشتركين في الحمل على زيد، فإن الحيوان هو أبدا يفضل على الإنسان والإنسان أبدا يقصر عن الحيوان في الحمل. ومنها ما هو إن فضل أحدهما على الآخر أمكن أن يفضل الآخر ذلك الذي كان الفاضل أولا حتى يكون هذا يفضل ذلك بوجه وذاك بفضل هذا بوجه آخر، مثل الإنسان والأبيض فإن الإنسان يحمل على زيد وكذلك الأبيض يحمل أيضا على زيد، والإنسان أعم من الأبيض إذ كان الإنسان يحمل على الزنجي والأبيض لا يحمل عليه، وأيضا فإن الأبيض يحمل على الثلج والإسفيذاج والإنسان لا يحمل عليهما.
15 -
والكليات التي لا تشترك في الحمل على أشخاص واحدة بأعيانها فإن تلك لا يحمل بعضها على بعض أصلا. مثال ذلك الإنسان والفرس والثور والحمار والكلب، فإنها كليات لا تشترك بالحمل على أشخاص واحدة بأعيانها وليس شيء منها يحمل على الآخر أصلا، فإنه لا الإنسان فرس ولا الفرس إنسان، وكذلك ما سواه. والكليات التي هي مشتركة في الحمل على أشخاص واحدة بأعيانها فإن تلك الكليات يحمل بعضها على بعض.
16 -
صفحة ٧
والكلي إذا حمل على كلي آخر فإنه يحمل بإحدى جهتين، إما حملا مطلقا وإما حملا غير مطلق. والحمل المطلق هو الذي إذا قرن بموضوعه قولنا كل صدق الحمل، مثل قولنا كل إنسان حيوان. والحمل غير المطلق هو الذي إذا قرن بموضوعه قولنا كل إنسان حيوان. والحمل غير المطلق هو الذي إذا قرن بموضوعه قولنا كل كذب الحمل، مثل قولنا كل حيوان إنسان، فإذا قرن بالموضوع حرف ما صدق، وهو قولنا حيوان ما إنسان. والكليات التي تشترك في الحمل على أشخاص بأعيانها متى كان أحدها أعم والآخر أخص وكان الأعم أعم من الأخص أبدا فإن العم يحمل على الأخص حملا مطلقا والأخص يحمل على الأعم حملا غير مطلق. مثال ذلك الإنسان والحيوان والحساس والمغتذي والجسم، فإن هذه كليات تشترك في الحمل على زيد وعمرو، والحيوان أعم من الإنسان، وكذلك الحساس أعم من الحيوان، والحيوان هو أبدا أعم من الإنسان، وكذلك المغتذي هو أبدا أعم من الحيوان، فالحيوان يحمل على الإنسان حملا مطلقا، فإنا إذا قلنا كل إنسان حيوان صدق القول، وكذلك إذا قلنا كل حيوان مغتذ. والإنسان يحمل على الحيوان حملا غير مطلق، وكذلك الحيوان على المغتذي، فإنا إذا قلنا كل مغتذ حيوان كذب القول من قبل أن النبات هو مغتذ وليس بحيوان، وكذلك إذا قلنا كل حيوان إنسان كذب القول من قبل أن الفرس هو حيوان وليس بإنسان، وإنما يصدق القول إذا قيل مغتذ ما حيوان وحيوان ما إنسان. والمشتركة التي بعضها أعم من بعض متى كان الأعم ليس هو الأعم أبدا والأخص ليس هو الأخص أبدا فإنما يحمل بعضها على بعض حملا غير مطلق. مثال ذلك الإنسان والأبيض، فإنهما يشتركان في الحمل على أشخاص واحدة بأعيانها وكل واحد منهما هو بوجه أعم من الآخر وهو بوجه أخص من الآخر، والإنسان ليس يحمل على الأبيض حملا مطلقا ولا الأبيض على الإنسان، فإنا إذا قلنا كل إنسان أبيض وكل أبيض إنسان لم يصدق بل إنما يصدق إذا قلنا إنسان ما أبيض أو أبيض ما إنسان. والكليات المشتركة المتساوية المتساوقة في الحمل فإن كل واحد منها يحمل على الآخر حملا مطلقا. مثال ذلك الإنسان والضحاك فإنهما متساويان في الحمل، فإنا إذا قلنا كل إنسان ضحاك وكل ضحاك إنسان صدق القول.
17 -
والكليات المشتركة في الحمل على أشخاص واحدة بأعيانها فإن الأعم منها يشارك كليات أخر في الحمل على أشخاص أخر. مثال ذلك الإنسان والحيوان، فإنهما كليان اشتركا في الحمل على زيد وعمرو، والحيوان أعم من الإنسان، فالحيوان يشارك أيضا الفرس الذي هو كلي آخر في الحمل على أشخاص الحمار والفرس وهي هذا الحمار والحرون وكذلك الحيوان يشارك الكلب الذي هو كلي في الحمل على ضمران وواشق. وبين أن الكلي الأعم يحمل حملا مطلقا على الكليات المتباينة التي يشاركها في الأشخاص التي يحمل عليها. ولما كان الكلي العم يشارك كليات متباينة اكثر من واحد تحمل على أشخاص مختلفة، صار يحمل على كليات متباينة اكثر من واحد. مثال ذلك الحيوان هو كلي ما أعم، وهو يشارك الإنسان في الحمل على زيد وعمرو، والفرس في الحمل على هذا الحمار والحرون، والكلب في الحمل على ضمران وواشق، فالحيوان يحمل على الإنسان وعلى الفرس وعلى الكلب. ثم الأعم فالأعم من الكليات يحمل على كليات متباينة أكثر عددا من التي يحمل عليها الأخص. مثال ذلك الإنسان والحيوان والمغتذي والجسم، فالحيوان أعم من الإنسان فهو يحمل على الإنسان وعلى الفرس، والمغتذي أعم من الحيوان فهو يحمل على الإنسان وعلى الفرس والمخلفة، والجسم أعمها فهو يحمل على الإنسان والفرس والنخلة وعلى الحجر حملا مطلقا. وليست الأشخاص وحدها فقط هي التي تشترك في الحمل عليها كليات عدة، لكن قد يمكن أن يوجد كلي تشترك في الحمل عليه عدة كليات أخر. فإن الإنسان وهو كلي قد اشترك في الحمل عليه الحيوان والمغتذي والجسم.
صفحة ٨
5 -
18 -
والمسألة بما هو قد تكون عن شخص أو أشخاص وقد تكون عن كلي. فإنا قد نقول ما هذا الشيء الذي بين أيدينا وهو شخص، وقد نقول في الإنسان ما هو والإنسان كلي. وقد قيل فيما سلف إن المسألة متى كانت عن شيء بما هو فإنه يلزم المسؤول أن يجيب بأمر يفيد به السائل معرفة ما هو الشيء المسؤول عنه. والأمر الذي يليق أن يستعمل في إفادة ما هو قد يكون اسما لذلك الشيء وقد يكون بعض جزئياته وقد يكون بعض الكليات التي تشترك في الحمل عليه. ونحن فقصدنا أن نتكلم ها هنا فيما هو الذي إنما يليق أن يجاب عنه ببعض كليات المسؤول عنه. فإن كان المسؤول عنه شخصا فالذي يليق أن يستعمل في الجواب هو بعض الكليات التي تشترك في الحمل على ذلك الشخص. وكذلك إن كان المسؤول عنه أمرا كليات فإن الذي يليق أن يستعمل في الجواب عن مسألة ما هو بعض الكليات التي تشترك في الحمل على ذلك الكلي. وكذلك إن سئلنا عن شخص أو كلي كيف هو وأي شيء هو فإن الذي يليق أن يستعمل في الجواب هو بعض الكليات المشتركة في الحمل على ذلك الشخص أو على ذلك الكلي. فالكليات المشتركة على شخص شخص منها ما يليق أن يستعمل في جواب ما هو ومنها ما يستعمل في جواب كيف هو منها ما يستعمل في جواب أي شيء هو. وكذلك الكليات المشتركة في الحمل على كلي كلي منها ما يليق أن يستعمل في جواب المسألة في كلي كلي بما هو ومنها ما يليق أن يستعمل في الجواب عنه بأي شيء هو. والذي يليق أن يؤخذ في جواب ما هو الشيء بعضها يدل عليه لفظ مفرد وبعضها يدل عليه لفظ مركب. وقد قيل ذلك فيما سلف.
19 -
فأقول: إذا كانت أشخاص، واشتركت في الحمل عليها كليات عدة تدل عليها ألفاظ مفردة، وكان جميعها يليق أن يؤخذ في جواب المسألة عنها بما هي، فإن أخص تلك الكليات يسمى النوع، والباقية التي هي أعم تسمى الجنس. مثال ذلك زيد وعمرو وخالد اشترك عليهم في الحمل الإنسان والحيوان والمغتذي والجسم، وكل واحد من هذه يدل عليه لفظ مفرد، وجميع هذه يليق أن تؤخذ في جواب ما هو متى سئلنا عن شخص شخص منها - أعني إن سئل عن زيد ما هو وعن عمرو ما هو. فأخص هذه الكليات هو الإنسان والباقية أعم، فإن الإنسان يسمى نوعا لهذه الأشخاص والباقية - أعني الحيوان والمغتذي والجسم - تسمى الأجناس.
والأجناس
20 -
والأجناس من بين هذه الكليات فكل واحد منها أعم من النوع. أما هي في أنفسها - أعني الأجناس - فإن بعضها أعم من بعض، فإن الحيوان والمغتذي والجسم كلها أعم من الإنسان، ثم المغتذي أعم من الحيوان، والجسم أعم من المغتذي. وعلى هذا المثال حال الأجناس الكثيرة المشارة للنوع في الحمل على شخص أو أشخاص، فإن بعضها أعم من بعض - أعني أن الواحد منها أبدا أخص والآخر أعم. ولما كان الأعم يحمل على الأخص حملا مطلقا والأخص يحمل على الأعم حملا غير مطلق، وكان النوع أبدا أخص من الأجناس والأجناس أعم، صارت الأجناس تحمل على النوع حملا مطلقا والنوع يحمل على الأجناس حملا غير مطلق. وأما الأجناس فإن الأعم فالأعم يحمل على الأخص فالأخص حملا مطلقا. فالنوع يحمل على الشخص ويليق أن يجاب به في جواب ما هو، ولا يحمل على كلي أصلا في جواب ما هو حملا مطلقا، لكن إنما يحمل هذا الحمل على الأشخاص فقط. وأما الأجناس فإنها قد تحمل على الأشخاص التي يحمل عليها النوع حملا مطلقا وفي جواب المسألة عن النوع ما هو
صفحة ٩
21 -
والأجناس المحمولة على النوع، فإن منها ما هو أخص حتى لا يحمل على النوع من بين تلك الأجناس جنس أكثر خصوصا منه، ومنها ما هو أعم حتى لا يحمل على ذلك النوع جنس أعم منه أصلا، ومنها ما هو أزيد عموما من الجنس الأخص الذي لا أخص منه وأخص من الجنس الأعم الذي لا أعم منه. والجنس الأخص يسمى الجنس القريب من النوع، والأعم الذي لا أعم منه يسمى الجنس البعيد والجنس العالي، والذي هو أزيد عموما من الجنس القريب وأخص من الجنس العالي يسمى الجنس المتوسط من قبل أنه متوسط بين الجنس الذي لا أخص منه وبين الجنس الذي لا أعم منه. والمتوسط ليس أبدا يتفق أن يكون جنسا واحدا، بل يتفق أن يكون بين الجنس القريب وبين الجنس العالي أجناس أكثر من واحد هي متوسطات. وهذه المتوسطات بعضها أعم وبعضها أخص، والأخص فالأخص منها أقرب مرتبة إلى الجنس القريب، والأعم فالأعم منها أقرب مرتبة إلى الجنس العالي. وكلما أخذ من المتوسطات شيء أعم وجد ما هو أعم منه، وكلما أخذ منها شيء خاص وجد ما هو أخص منه. وأما الجنس العالي فلا يوجد جنس أعم منه يحمل عليه. ولما كان الجنس الأعم يحمل على جميع الأجناس التي هي أخص منه حملا مطلقا، صار الجنس العادي يحمل على جميع الأجناس التي هي أخص منه حملا مطلقا، صار الجنس العالي يحمل على جميع الأجناس التي تشاركه في الحمل على النوع، وهي التي هي أخص من الجنس العالي.
22 -
والجنس الأخص الذي شأنه أن يكون موضوعا في الحمل لجنس أعم منه يقال إنه مرتب تحت ما هو أعم منه. وبالجملة فإن جميع ما شأنه أن يكون موضوعا لأمر أعم منه يحمل عليه من طريق ما هو، فإنه يقال إنه مرتب تحت ذلك الأمر. فإذن الأجناس المتوسطة مرتبة تحت الجنس العالي، والمتوسطات بعضها مرتب تحت بعض، والجنس القريب مرتب تحت بعض المتوسطات، والنوع مرتب تحت الجنس القريب منه، والشخص مرتب تحت النوع.
23 -
ولما كان الكلي الأعم ليس إنما يشارك كليا واحدا أخص منه في الحمل على شخص، وكان الجنس أعم من النوع، فليس إذن إنما يشارك نوعا واحدا في الحمل على الشخص، لكن يشارك أنواعا أكثر من واحد. ولما كان المشارك الأعم يحمل حملا مطلقا على الأخص، صار الجنس يحمل على جميع الأنواع التي تشاركه في الحمل حملا مطلقا. مثال ذلك الحيوان وهو جنس، وهو أعم من الإنسان المشارك له في الحمل على زيد وعمرو، وهو أيضا يشارك مع ذلك الفرس، فالحيوان يحمل على الإنسان والفرس وعلى كل نوع يشاركه في شخص ما حملا مطلقا. وكذل كل جنس أعم يشارك جنسا آخر أخص منه في الحمل على أنواع أخر، فإنه أيضا يشارك جنسا آخر أخص منه في الحمل على أنواع أخر، ويحمل هذا الجنس الأعم على الجنسين الأخصين جميعا وعلى الأنواع الموضوعة لهما وعلى الأشخاص التي تحت تلك الأنواع. مثال ذلك المغتذي، فإنه أعم من الحيوان، وهو أيضا أعم من النبات، وهو يحمل على الحيوان والنبات جميعا، ويحمل على الإنسان والفرس اللذين تحت الحيوان، وعلى النخلة والزيتونة اللتين تحت النبات. وهذا لازم في كل جنس متوسط كان أعم من جنس آخر متوسط. وكذلك يلزم في الجنس العالي. والجنس العالي فلم يتبين بعد هل هو واحد أو أكثر من واحد. فإن كان أكثر من واحد فلم يتبين بعد ها هنا كم عدده. غير أنا ننزل أنه أكثر من واحد. فيلزم إذن في كل جنس عال أن يحمل على أجناس متوسطة، وعلى أنواع تحت المتوسطة، وعلى الأشخاص التي تحت الأنواع.
صفحة ١٠
24 -
وكل شخصين كانا تحت جنسين عاليين فإنه ليس يمكن أن يوجد كلي أصلا يحمل عليهما معا من طريق ما هو، بل يكون جميع الكليات التي تحمل على أحدهما من طريق ما هو غير جميع الكليات التي تحمل على الآخر من طريق ما هو. وكل شخصين أمكن أن تكون الكليات التي تحمل على أحدهما هي بأعيانها الكليات التي تحمل على الشخص الآخر، فإنه إما أن يكون بعض الكليات التي تحمل على أحدهما من طريق ما هو هي بأعيانها بعض تلك الكليات التي تحمل من طريق ما هو على الآخر، وإما أن تكون بجميع الكليات التي تحمل على أحدهما من طريق ما هو هي بأعيانها تحمل على الإنسان الآخر من طريق ما هو. فالأول يشترك في بعض الكليات ويختلف في بعض، والثاني لا يختلف في كلي يحمل عليه من طريق ما هو أصلا. فمثال الأول زيد والحرون. فإن الكليات المحمولة على زيد من طريق ما هو إنسان وحيوان ومغتذ، والمحمولة على الحرون فرس وحيوان ومغتذ، فقد اختلفا في بعض واشتركا في بعض. ومثال الثاني زيد وعمرو، فإن هذين ليس يختلفان في كلي يحمل عليهما من طريق ما هو أصلا. والذي يختلف في بعض ويشترك في بعض منها ما يختلف في أقل ويشترك في أكثر، ومنها ما يشترك في أقل ويختلف في اكثر. والأشخاص التي تخلف في جميع التي تحمل عليها من طريق ما هو تسمى المختلفة بالأجناس العالية. والأشخاص التي تختلف في بعض وتشترك في بعض تسمى المختلفة بالنوع. والتي لا تختلف أصلا في كلي يحمل عليها من طريق ما هو تسمى المختلفة بالنوع. والتي لا تختلف أصلا في كلي يحمل عليها من طريق ما هو تسمى المختلفة بالعدد. فإن كان النوع أخص الكليات المحمولة على الشخص من طريق ما هو، والجنس أعم من النوع، لزم ضرورة أن يكون النوع هو الكلي المحمول على كثيرين مختلفين بالعدد من طريق ما هو، والجنس هو الكلي المحمول على كثيرين مختلفين بالنوع من طريق ما هو وهذا مطرد في كل جنس، كان جنسا قريبا أو متوسطا أو عاليا.
25 -
والجنس العالي ليس يترتب تحت جنس أصلا بل يترتب تحته الأجناس، والأجناس المتوسطة فكل واحد منها يترتب تحت جنس ويرتب تحته جنس آخر، والجنس القريب يرتب تحته نوع ويرتب هو تحت جنس آخر فوقه. فكل جنس يرتب تحت جنس فإنه من جهة ما يرتب تحت شيء يسمى أيضا نوعا، ومن جهة أنه يرتب تحته شيء آخر يسمى أيضا جنسا. مثال على ذلك الحيوان، فإنه يسمى نوعا للمغتذي وجنسا للإنسان، والمغتذي جنسا للحيوان ونوعا للجسم. وهذه لسنا ندل عليها بتسميتنا لها أنها أنواع أنها محمولة على كثيرين مختلفين بالعدد، لكن إنما ندل بقولنا إنها أنواع على أنها مرتبة تحت كلي يحمل عليها من طريق ما هو، فالنوع الأول يدل أحيانا على هذا المعنى وأحيانا على المحمول على كثيرين مختلفين بالعدد من طريق ما هو. فالجنس العالي إذ كان ليس يرتب تحت كلي من طريق ما هو، فالجنس العالي إذ كان ليس يرتب تحت كلي من طريق ما هو، فالجنس العالي ليس يسمى نوعا أصلا. والمتوسطات تسمى أنواعا إذ كانت ترتب تحت كلي يحمل عليها من طريق ما هو. وأما المحمول على كثيرين مختلفين بالعدد من طريق ما هو فإنه يسمى نوعا بجهتين اثنتين، إحداهما من جهة ما هو مرتب تحت كلي يحمل عليه من طريق ما هو، والثانية من جهة ما هو محمول على كثيرين مختلفين بالعدد من طريق ما هو. فلذلك يسمى نوعا على الإطلاق. والمتوسطات والعالي تسمى أجناسا بجهتين، إحداهما م جهة ما هي محمولة على كثيرين مختلفين بالنوع من طريق ما هو، والثانية من جهة أن كليا يرتب تحتها. فإذن المتوسطات تسمى أجناسا وأنواعا. والجنس العالي يسمى جنسا فقط ولا يسمى نوعا. والمحمول على كثيرين مختلفين بالعدد يسمى نوعا فقط ولا يسمى جنسا، ويسمى أيضا النوع الأخير، ويسمى أيضا نوع الأنواع - ويعنى به النوع المرتب تحت الأنواع - ، ويسمى النوع الذي ليس تحته نوع. والجنس العالي أيضا يسمى جنس الأجناس - ويعنى به الجنس الذي ترتب تحته الأجناس.
صفحة ١١
26 -
والكليات التي تحمل على الشخص من طريق ما هو متى شاركتها كليات أخر في الحمل على تلك الأشخاص، وكان واحد واحد من هذه الأخر يليق أن يؤخذ في جواب المسألة عن واحد واحد من الكليات الأول بكيف هو في ذاته، وكانت تحمل مع ذلك على الأول حملا مطلقا، فإنها تسمى فصولا ذاتية لتلك الأول. فمتى كان الكلي المحمول على الشخص هو النوع، وشاركه في الحمل على الشخص كلي آخر ، وكان على الصفة التي وصفناها، فإن ذلك الكلي هو فصل ذاتي للنوع. وكذلك متى كان الكلي المحمول على الشخص هو الجنس وشاركه كلي آخر بهذه الصفة، فإن ذلك الكلي فصل ذاتي لذلك الجنس. وهذا مطرد في كل جنس متوسط إلى أن يرتقى إلى الجنس العالي.
27 -
وكل واحد من هذه التي تحمل من طريق كيف هو على كلي حملا مطلقا فإنه يحمل بعينه على جنس ذلك الكلي حملا غير مطلق. فمتى كان الكلي المحمول محمولا هذا الحمل على نوع فإنه بعينه يحمل على جنس ذلك النوع حملا غير مطلق. ومتى كان المحمول هذا الحمل محمولا على جنس ما فإنه بعينه يحمل على جنس ذلك الجنس حملا غير مطلق. فيكون شيء واحد بعينه يحمل على نوع ما حملا مطلقا وذلك الشيء بعينه يحمل على جنس ذلك النوع حملا غير مطلق. وكذلك يكون شيء واحد بعينه يحمل على جنس ما حملا مطلقا ويحمل على ذلك بعينه على جنس ذلك الجنس حملا غير مطلق. فتكون أشياء واحدة بأعيانها تحمل على كليين أحدهما تحت الآخر، فتحمل على الأسفل منهما حملا مطلقا وعلى الأعلى حملا غير مطلق. وهذه الأشياء هي الفصول الذاتية لهما جميعا، غير أنها هي لما تحمل عليه حملا مطلقا فصول ذاتية مقومة، ولما تحمل عليه حملا غير مطلق فصول ذاتية قاسمة. فيكون الفصل الذاتي المقوم لنوع ما هو بعينه فصل ذاتي مقسم لجنس ذلك النوع، وكذلك المقوم لجنس ما يكون هو بعينه مقسما لجنس ذلك الجنس.
28 -
والأنواع المختلفة التي تحت جنس واحد
فإن فصل كل واحد منها الذاتي المقوم له يحمل كل واحد منها عل جنس تلك الأنواع حملا غير مطلق. والفصول الكثيرة التي تحمل على جنس واحد حملا غير مطلق صنفان، صنف منها يمكن أن يحمل بعضها على بعض حملا ما، وصنف منها لا يمكن أن يحمل بعضها على بعض أصلا، لا مطلقا ولا غير مطلق. فالصنف الذي لا يحمل بعضها على بعض أصلا فإنها تسمى فصولا متقابلة. والصنف الذي يحمل بعضها على بعض حملا ما فإنها فصول غير متقابلة. والفصول المتقابلة منها ما يدل عليها جميعا بألفاظ مختلفة حتى يكون اللفظ الدال على أحدهما غير اللفظ الدال على المقابل الآخر، ومنا ما يدل على أحد المتقابلين منهما بلفظ ما ويدل على مقابلة بذل اللفظ مقرونا به حرف لا. وأقل الفصول المتقابلة اثنان.
29 -
صفحة ١٢
والفصول المقومة لنوع ما فإنها تحمل على أشخاص ذلك النوع، وكذلك المقومة لجنس ما فإنها تحمل على أنواع ذلك الجنس، حملا مطلقا. وكذلك كل جنسين كان أحدهما تحت الآخر فإن الفصل المقوم للجنس الذي هو أعلى يحمل على الجنس الذي هو أسفل حملا مطلقا. ولما كان جميع ما يجاب به في جواب كيف الشيء يمكن أن يؤخذ في جواب أي شيء هو، وكان الفصل يحمل من طريق كيف هو، لزم أن تكون الفصول الذاتية للنوع تؤخذ في جواب المسألة عن ذلك النوع بأي شيء هو. وكذل الفصول المقومة لجنس ما، فإنها تؤخذ في جواب المسألة عن ذل الجنس أي شيء هو. وتلك حال كل فصل مقوم، فإنه يؤخذ في التمييز بين ما يقوم وبين آخر يشاركه في الجنس الذي هو أعلى منه. فلذلك صار الفصل يقال فيه إنه هو المحمول على كلي من طريق أي شيء هو، ويقال إنه هو الذي يميز بين ما تحت جنس واحد بعينه، ويقال إنه هو الذي تختلف به الأشياء التي لا تختلف بالجنس. ولما كانت الأشياء التي تؤخذ في جواب أي شيء هو بعضها يفاد به معرفة ما يتميز به الشيء في ذاته عن غيره وبعضها يفيد معرفة ما يتميز به الشيء في أحواله. فلذلك متى قيل في الفصل الذاتي إنه هو المحمول على كلي من طريق أي شيء هو فينبغي أن يزاد فيقال من طريق أي شيء هو في ذاته لا في أحواله. والفصول المقومة لنوع أو لجنس فإنها تحمل كما قد قيل على ذلك النوع أو ذلك الجنس حملا مطلقا. لكن ربما وجد في الفصول المقومة ما هو مساو في الحمل الكلي الذي قومه، وقد يوجد أيضا فيها ما هو أعم من الكلي الذي قومه. ولما كان الفصل المقوم لنوع ما يحمل على جنس ذلك النوع حملا غير مطلق لزم أن تكون الفصول المقومة لنوع ما أخص من جنس ذلك النوع، وأعم أو مساوية لذلك النوع. ولما كانت المحمولات المساوية لنوع ما ليست تحمل على أكثر مما يحمل عليه ذلك النوع، وكان النوع يحمل على مختلفين لا بالنوع لكن بالعدد، لزم أن يكون الفصل المساوي لذلك النوع يحمل على مختلفين لا بالنوع لكن بالعدد. وأما الفصل الأعم من النوع فإنه يحمل على أشخاص ذلك النوع وعلى أشخاص نوع آخر. فإذن الرسم الذي رسم به الفصل أنه هو المحمول على كثيرين مختلفين بالنوع من طريق أي شيء هو ليس رسما لكل فصل لكن للفصول التي هي أعم من النوع الأول فقط .
30 -
والكليات التي تحمل على أشخاص ما
من طريق ما هو متى شاركتها كليات أخر في تلك الأشخاص، وكانت تليق أن تؤخذ في جواب المسألة عن الكليات الأول بكيف هي في أحوالها، وكانت مساوية للأول في الحمل، وكان الدال عليها لفظا مفردا، فإنها تسمى خواص الكليات الأول. ومتى شارك النوع في الأشخاص التي يحمل عليها النوع كليات بهذه الصفة فإن تلك تسمى خواص ذلك النوع. مثال ذلك الضحاك، فإنه مشارك للإنسان في الحمل على زيد وعمرو، ويؤخذ في جواب المسألة عن الإنسان كيف هو في حاله، وهو مساو للإنسان في الحمل، ويدل عليه لفظ مفرد، فالضحاك هو خاصة للإنسان. وكذلك متى شارك الجنس كلي بهذه الصفة فإنه خاصة للجنس. فالهنوع وخاصته متساويان في الحمل على ما يحملان عليه. وكذلك الجنس وخاصته متساويان في الحمل، يحمل كل منهما على الآخر حملا مطلقا. مثال ذلك الضحاك والإنسان، فإن كل إنسان ضحاك وكل ضحاك إنسان، فكل واحد منهما ممكن أن يوضع للآخر ويمكن أن يحمل. وما كان هكذا فإنه يسمى المنعكسة في الحمل. فالنوع وخاصته ينعكس كل واحد منهما على الآخر في الحمل، وكذلك الجنس وخاصته. وكل ما حمل على النوع حملا غير مطلق ولم يكو يحمل على نوع آخر أصلا، فإنه يسمى أيضا خاصة ذلك النوع. مثال ذلك الطبيب والمهندس. فإنه يحمل على الإنسان حملا غير مطلق، وليس يحمل على نوع آخر أصلا. وظاهر أن هذا الصنف من الخواص يحمل عليه النوع حملا مطلقا، فإن كل مهندس إنسان كل طبيب إنسان. والصنف الأول من الخواص يسمى خاصة بالتحقيق، والصنف الثاني خاصة لا بالتحقيق. وإذا كان في جميع ما يجاب به في جواب كيف هو يليق أن يؤخذ في جواب أي شيء هو، فالخواص كلها تؤخذ في جواب أي شيء هو، ويفاد بها تمييز الشيء عن غيره في أحواله فقط لا في جوهره، والذي يميزه في جوهره فهو الفصل الذاتي.
صفحة ١٣
31 -
ومتى شارك النوع أو الجنس كلي آخر أعم من ذلك النوع أو من ذلك الجنس، وكان يليق أن يؤخذ في جواب أي شيء هو في حاله لا في ذاته، فإن ذلك الكلي يسمى عرضا لذلك الجنس أو لذلك النوع. وهذان صنفان. أحدهما يحمل على النوع أو على الجنس حملا مطلقا، فلذلك يسمى العرض غير المفارق والعرض اللازم. والآخر يحمل على النوع أو على الجنس حملا غير مطلق، فلذلك يسمى العرض المفارق. ومثال الصنف الأول قولنا الأسود إذا حملناه على القار، فإن كل قار أسود. ومثال الثاني قولنا الأسود والأبيض، إذا حملناه على الإنسان، وكذلك القيام والقعود والمشي وأشباه ذلك، فإن جميع هذه يحمل على الإنسان، وكذلك القيام والقعود والمشي وأشباه ذلك، فإن جميع هذه يحمل على الإنسان حملا غير مطلق. وجميع الأعراض - المفارق منها وغير المفارق - يمكن أن يفاد به تميير الشيء عن الشيء في أحواله، ويليق أن تؤخذ في جواب المسألة عن الأمر أي شيء هو في حاله. فمن هذه ما قد يليق به مع ذلك أن يجاب به في جواب كيف هو، مثل قولنا صالح أو طالح، ومنها ما لا يليق أن يجاب به في جواب كيف هو، مثل قولينا الذي يتكلم والقائم أو القاعد. والأعراض المفارقة منها ما شأنه أن يحمل على شخص ما دائما، مثل الفطوسة والزرقة، ومنها ما شأنه أن يحمل عليه حينا ولا يحمل عليه حينا، مثل القيام والقعود وما أشبه ذلك. فالأول يسمى العرض اللازم لشخص ما والثاني يسمى المفارق لشخص ما. وهذا الثاني هو الذي تختلف به أحوال الشخص دائما وتتبدل تبدلا غير محدود. وكل واحد من هذين قد يستعمل في إفادة تمييز شخص عن شخص، فتسمى لذلك فصولا، لا على التحقيق لكن على طريق التشبيه بالفصول الذاتية. فما كان منها شأنه أن يلزم شخصا واحدا بعينه دائما فذلك أبلغ في إفادة التمييز، وهذا ربما سماه قوم لهذا السبب فصولا خاصة. وما كان منها ليس شأنه أن يلزم الشخص دائما فذلك دون الأول في إفادة التمييز، فيسميه بعض الناس الفصول العامة، إذ كانت أحوال الشخص تتبدل بها تبدلا غير محدود. والذي رسم به العرض ها هنا فقد انتظم تميزه عن جميع المحمولات على النوع سوى العرض. فإن قولنا فيه إنه أعم ميزه من خاصة النوع، وقولنا أي شيء هو في حاله ميزه من الأجناس ومن الفصول.
صفحة ١٤
6 -
32 -
ومتى شارك النوع في الحمل على الأشخاص كلي يدل عليه لفظ مركب يليق أن يجاب به في المسألة عن النوع وعن الشخص ما هو، وكانت أجزاؤه بعضها يدل على جنس ذلك النوع وبعضها يدل على فصله، وكان مساويا للنوع في الحمل، فإن ذلك الكلي يسمى حد ذلك النوع - وأعني بالنوع ها هنا ليس الأخير فقط لكن والأنواع المتوسطة. مثال ذلك قولنا حيوان مشاء ذو رجلين، أو حيوان ناطق مائت، فإن هذا كلي إذ كان يحمل على أكثر من واحد، وهو يشارك الإنسان في الحمل على زيد وعمرو، ويدل عليه لفظ مركب، ويليق أن يجاب به في المسألة عن زيد وعن الإنسان ما هو، وأجزاؤه الحيوان والمشاء، والحيوان يدل على جنس الإنسان، والماء يدل على فصله وكذلك ذو الرجلين، وهذا الكلي بأسره يساوي الإنسان في الحمل. فهذا وما أشبهه هو حد الإنسان . ومتى كان الكلي الذي بهذه الحالة غير مساو للنوع في الحمل، بل كان أعم من النوع المشارك له، فهو يسمى حا ناقصا لذلك النوع، وذلك بعينه حد تام لبعض الأجناس التي فوق ذلك النوع. مثال ذلك حيوان مشاء هو حد الإنسان، غير أنه حد ناقص. والأجناس التي فوق النوع قد يتفق أن يكون منها ما لم يوضع له اسم، فيستعمل حده بدل اسمه. مثال ذلك حيوان مشاء، فإنه متوسط بين الحيوان وبين الإنسان، ولم يوضع له اسم، واستعمل بدل اسمه لفظ حده، وهو قولنا حيوان مشاء، فيكون هذا اللفظ مستعملا بدل اسم النوع، وهو لفظ حدة التام، وهو أيضا حد ناقص لما تحته. فلذلك متى أخذ حد لجنس متوسط له اسم أو لا اسم له فجعل حدا لنوع تحته كان ذلك الحد حدا ناقصا للنوع الأسفل، فيكون أعم منه. ولما كان الحد الكامل هو لشيء وحده أمكن أن يجاب به في جواب أي شيء هو، وأن يستعمل في الدلالة على تمييز الشيء عن كل ما سواه. والحد يعرف من الشيء أمرين اثنين، أحدهما أنه يعرف ذات الشيء وجوهره، والثاني أنه يعرف ما يتميز به عن كل ما سواه. فلذلك سمي بهذا الإسم - أعني اسم الحد - من قبل أنه شبيه بحدود الضياع والعقار، إذ كان حد الدار يخص الدار وبه تتميز عن سائر الدور وبه انحازت الدار عن ما سواها.
33 -
ومتى شارك النوع أو الجنس كلي يدل عليه لفظ مركب، وكان مساويا للنوع أو الجنس في الحمل، ولم يكن يليق به أن يجاب به في جواب ما هو، وكانت أجزاء لفظه تدل على اعراض ذلك النوع أو الجنس، أو كانت بعض أجزائه تدل على جنسه وبعضها يدل على أعراضه أو على خواصه، فإن ذلك يسمى رسم ذلك النوع أو الجنس، وربما سماه أرسطاطاليس خاصة. مثال ذلك قولنا المتحرك القابل للعلم، فإنه يشارك الإنسان في الحمل على زيد وعمرو، وهو مساو له في الحمل، ويدل على أعراض الإنسان، فإن هذا وما أشبهه يسمى الرسم. وكذلك قولنا المتحرك الضحاك، أو قولنا حيوان ضحاك أو حيوان قابل للعلم. ومتى كان الكلي الذي هو بهذه الصفة غير مساو للنوع أو الجنس سمي رسما غير كامل. وما كان غير مساو فهو إما أعم وإما أخص.
صفحة ١٥
ولما كانت الحدود من أجناس وفصول ذاتية فقط، لزم فيما لا جنس له ألا يكون له حد، وكذلك ما لا فصول له ذاتية يلزم ألا يكون له حد. ولما كانت الأجناس العالية ليست لها أجناس فوقها، لزم فيها ألا يكون لها حدود. ولما كانت الأشياء التي ليست لها أجناس أو التي ليست لها فصول ذاتية لم يمتنع أن تكون لها أعراض، صارت بسبب ذلك لا يمتنع أن يكون لها رسوم. فلذلك لم يمتنع في الأجناس العالية أن يكون لها رسوم، وكذلك في المتوسطة.
34 -
والنوع متى كان له حد مساو له في الحمل، فزيد على أجزاء الحد محمول أعم من النوع، بقيت مساواة الحمل على حالها. مثال ذلك قولنا حيوان مشاء ذو رجلين متحرك. وكذلك متى زيد عليه كلي مساو للنوع في الحمل. مثال ذلك حيوان مشاء ذو رجلين ضحاك. ومتى زيد على أجزاء الحد كلي أخص من النوع، أزال مساواة الحد للنوع. مثال ذلك حيوان مشاء ذو رجلين طبيب. فإن هذا يحمل على أقل مما يحمل عليه الإنسان. والحد الكامل قد يكون من جزئين - أعني من جنس واحد وفصل واحد - وقد يكون من أكثر من جزئين - ومن ثلاثة أو أكثر. ومتى كان من جزئين، فأي الجزئين نقص لم يكن الباقي حدا، من قبل أن الذي يبقى يدل عليه لفظ مفرد، والحد يدل عليه لفظ مركب. والحد أبدا فإن أول أجزائه في الترتيب هو الجنس. ومتى كان من ثلاثة أجزاء أو أكثر، فنقص منه جزؤه الأول - وهو الجنس فقط - كان الباقي مساويا أيضا للنوع في الحمل. مثال ذلك قولنا في حد الإنسان حيوان مشاء ذو رجلين، ومتى حذفنا قولنا حيوان وبقينا قولنا مشاء ذو رجلين، كان مساويا للإنسان في الحمل. ومتى نقص آخر أجزاء الحد، فإن الباقي تزول مساواته في الحمل للنوع الذي كنا أخذناه له حدا. ومتى نقص أوسط أجزائه، وكان آخر أجزائه مساويا للنوع في الحمل، بقي الباقي أيضا مساويا. ومتى نقص الجزء الأوسط من أجزائه، وكان الأخير أعم، زال عن الباقي المساواة.
35 -
والشيء الواحد قد تصدق عليه أسامي كثيرة. وصدق الأسامي الكثيرة على شيء واحد هو بإحدى جهتين. إما أن تكون الأسامي الكثيرة الصادقة عليه تدل منه على معنى واحد فقط، وإما أن تكون الأسامي الكثيرة الصادقة عليه تدل منه على معان مختلفة. فإذا كانت الأسامي الكثيرة الكثيرة الصادقة عليه تدل منه على معان مختلفة، وكان كل واحد من تلك المعاني يدل عليه أيضا بحد، كان جزء جزء من حدوده يدل على ما يدل عليه اسم من أسمائه. فمتى أخذ حد من حدوده فكان دالا منه على معنى فقيس باسمه. فمتى أخذ حد من حدوده فكان دالا منه على معنى فقيس باسمه الدال منه على ذلك المعنى بعينه، كان ذلك الحد هو حد ذلك الشيء بحسب اسمه الدال منه على ذلك المعنى فقط. ومتى قيس باسمه الدال منه على معنى آخر، كان ذلك الحد هو حد ذلك الشيء لا بحسب اسمه ذلك لكن بحسب اسم له آخر. فإنه لا يمتنع أن يطن في حد الشيء أنه حد له بحسب أي اسم اتفق من الأسامي التي تصدق عليه. فلذلك يجب أن يحتفظ في الحد بهذا الأمر، وهو أن يكون بحسب اسم ما محصل من أسامي ذلك الشيء. وبالجملة فإن قولنا في الحد إنه بحسب الإسم ينبغي أن يفهم منه معنيان، أحدهما أن يصدق على جميع ما يصدق عليه الإسم وعلها وحدها، والثاني أن يدل الحد من الأمر المحدود على المعنى الذي دل عليه الإسم الذي قيس به بعينه. وحدود الأنواع كثيرا ما تستعمل بدل أسامي الأنواع. مثال ذلك الجوهر المغتذي الحساس، وهو حد الحيوان، ويقام مقام اسم الحيوان، فيظن أنه لا فرق بين أن يدل عليه بشيء مركب وبين أن يدل عليه باسم مفرد.
وأيضا فإن حد الشيء قد يستعمل بدل الشيء ويظن أنه لا فرق بين الشيء وبين حده. فتكون الأجزاء التي منها تأتلف الحدود هي بأعيانها يقوم بها المحدود. ولما كانت الأنواع تأتلف حدودها من الأجناس والفصول، صارت الفصول التي تليق أن تؤخذ جزء حد النوع يقال إنها فصول مقومة للنوع، وهي الفصول الذاتية التي تحمل على النوع حملا مطلقا.
صفحة ١٦
7 -
36 -
ومتى أخذ كلي وقرن به أمور متقابلة تحمل على ذلك الكلي حملا غير مطلق، ووضع بين كل اثنين منها حرف إما، مثل قولنا الحيوان إما مشاء وإما لا مشاء، فإن هذا الفعل يسمى قسمة. والمقسوم هو الكلي المأخوذ أولا، والمحمولات المتقابلة المقرونة بالكلي تسمى الأمور القاسمة. ومن بعد أن يفعل هذا الفعل متى نزع عنها حرف إما وأخذ الكلي مقرونا بواحد واحد من المتقابلات وافرد كل واحد من تلك المقترنات على حياله، فإن تلك الأمور تسمى الحادثة عن القسمة والتي إليه يقسم الكلي. مثال ذلك الحيوان وهو كلي، فمتى قرنا به مشاء ولا مشاء وهما متقابلان، وقرنا به حرف إما فقلنا الحيوان إما مشاء وإما لا مشاء، ثم بعد ذلك أسقطنا حرف إما وأخذنا الحيوان مقرونا بالمشاء وأفردناه على حياله وهو الحيوان المشاء وقرنا أيضا الحيوان بلا مشاء وأفردناه على حياله فصار حيوانا لا مشاء، فإن الحيوان هو كلي ومشاء ولا مشاء هي الأمور القاسمة. وفعلنا بالحيوان هذا الفعل يسمى قسمة الحيوان، والحيوان المشاء والحيوان اللامشاء هي الأمور الحادثة عن قسمة الحيوان، وهي التي إليها يقسم الحيوان بالمشاء واللامشاء، وهي تسمى أيضا الأمور القسيمة، فإن الحيوان المشاء هو قسيم الحيوان اللامشاء. وقد يستعمل في القسمة بدل إما حرف منه. مثال ذلك الحيوان منه مشاء ومنه غير مشاء. فمتى استعمل في القسمة حرف منه فإن القسمة تخص باسم التبعيض، وكذلك قولنا من الحيوان ما هو مشاء ومنه ما ليس هو مشاء.
37 -
والمقسوم قد يكون جنسا وقد يكون نوعا
وقد يكون كليا آخر إما خاصة أو غيرها
وأما الأمور القاسمة فإنها إنما تكون أبدا كل ما أمكن أن يحمل على الكلي المقسوم حملا غير مطلق. ومتى كان المقسوم جنسا فإنه قد يقسم بالفصول الذاتية المقومة لواحد واحد من أنواع ذلك الجنس. مثال ذلك الحيوان، فإنه جنس الإنسان والفرس، والفصول القاسمة له - وهي المقومة لهذين النوعين - هما الناطق والصهال، والحيوان يقسم بهما، فيقال الحيوان إما ناطق وإما صهال، أو منه ناطق ومنه صهال. ومتى أخذنا الجنس، وقرنا به الفصول التي قسمته، وأسقطنا منه حرف القسمة، وأفردنا مقترن الجنس والفصول كل واحد على حياله، فإن الحادث عن قسمة الجنس بالفصول الذاتية هي الأنواع. مثال ذلك الحيوان الناطق والحيوان الصهال، فإن الحيوان الناطق نوع والحيوان الصهال نوع. والأنواع كما قد قلنا ربما لم يكن لبعضها اسم مفرد، فيؤخذ مجموع جنسه وفصله فيقام مقام الإسم المفرد، فتكون الفصول التي تقوم أنواعها هي بأعيانها تقسم جنسها إلى تلك الأنواع. والفصول التي تقسم جنسا ما إلى أنواع هي بأعيانها تقوم الأنواع التي إليها قسم الجنس. والأنواع الحادثة عن قسمة جنس بفصول متقابلة المتقومة عن تلك المتقابلة التي قسمة الجنس تسمى الأنواع القسيمة. ومتى قسمنا جنسا إلى أنواع وكان تحت كل واحد من تلك الأنواع أنواع أخر، فإن تلك قد يمكننا أن نقسم كل واحد منها إلى الأنواع التي تحته، فيحدث من قسمة كل واحد منها أنواع أخر. وكذلك قد لا يمتنع أن نقسم تلك الأخر إلى أنواع أخر، حتى ننتهي إلى الأنواع الأخيرة. وعلى هذا المثال لفننزل أنا أخذنا الكلي الأول الجنس العالي، فإنا إذا قسمناه هذه القسمة حدثت أنواع قريبة منه، وكذلك نقسم كل واحد منها إلى أنواع أخر، وكل واحد من تلك الأخر إلى ما تحتها، ثم نتمادى كذلك إلى أن ننتهي إلى الأنواع الأخيرة. وظاهر أنا كلما انحدرنا بالقسمة حدثت أنواع أكثر عددا من التي قسمناها.
صفحة ١٧
38 -
ومتى أخذنا أنواعا أخيرة قوامها من فصول متقابلة، وأقمنا بجموع أجناسها وفصولها مقام أساميها، ثم أسقطنا فصولها وأخذنا أجناسها وحدها، فإن هذا الفعل يسمى التركيب. والأنواع المأخوذة أولا هي التي منها كان وقع التركيب، والحادث بالتركيب هو الجنس المأخوذ مفردا. مثال ذلك الإنسان والفرس هما نوعان أخيران، فإذا أقمنا الحيوان الناطق بدل الإنسان والحيوان الصهال يدل الفرس، ثم أسقطنا منهما الناطق والصهال وأخذنا الحيوان وحده، فهذا الفعل هو تركيب والإنسان والفرس اللذان منهما كان التركيب، والحادث عن تركيبهما هو الحيوان. وكذلك قد يمكننا أن نأخذ الحيوان وقسيمه فنركبهما، فيحدث منهما الجنس الذي فوقهما. مثال لك أنا نأخذ بدل الحيوان المغتذي الحساس، وبدل النبات المغتذي اللاحساس، وتسقط منهما المتقابلين، فيحدث المغتذي وهو جنس الحيوان والنبات. وعلى هذا المثال قد يمكننا أن نتمادى في التركيب إلى أن ننتهي إلى الجنس العالي.
39 -
وظاهر أنا بالقسمة ننحدر
من الجنس العالي إلى الأنواع الأخيرة
وبالتركيب نترقى من الأنواع الأخيرة إلى الجنس العالي. وأيضا فإن القسمة تفضي بنا إلى أشياء أكثر عددا من المقسومة، والتركيب يفضي بنا إلى أشياء أقل عددا من الأشياء التي عنها كان التركيب. والمقسومة قد تكون نوعا أخيرا، غير أن الذي يقسم النوع الأخير هي كلها أعراض. مثال ذلك الإنسان إما كاتب وإما لا كاتب. والجنس قد يمكن أيضا أن يقسم بالأعراض. مثال ذلك الحيوان إما أبيض وإما لا أبيض. وقد يمكن أن يقسم الجنس بالخواص التي توجد لأنواعه. مثال ذلك الحيوان إما ضحاك وإما لا ضحاك. وكذلك الخواص والأعراض قد يمكن أن تقسم بكل ما أمكن أن يحمل عليها بوجه ما حملا غير مطلق. مثال ذلك الضحاك إما مهندس وإما غير مهندس. وكذلك العرض. مثال ذلك قولنا الأبيض إما كاتب وإما لا كاتب. وكذلك العرض قد يمكن أن يقسم بأجناس الأنواع التي توجد لها الأعراض متى كان أعم من تلك الأنواع ومن أجناسها، وبتلك الأنواع بأعيانها. مثال ذلك الأبيض إما حيوان وإما لا حيوان، والبيض إما إنسان وإما لا إنسان. ومتى قسم الجنس بأعراض أنواعه كانت تلك القسمة قسمة بفصول غير ذاتية، إذ كانت الأعراض قد تسمى أيضا فصولا. فلذلك قد يقال فيها أنها قسمة الجنس بفصول عرضية . وهذه القسمة ليست تحدث أنواعا للجنس المقسوم.
8 -
40 -
والتعليم قد يكون بسماع وقد يكون باحتذاء
والذي بسماع هو الذي يستعمل المعلم فيه القول، وهذا يسميه أرسطاطاليس التعليم المسموع. والذي يكون باحتذاء هو الذي يلتئم بأن يرى المتعلم المعلم بحال ما في فعل أو غيره، فيتشبه به في ذلك الشيء أو يفعل مثل فعله، فيحصل للمتعلم القوة على ذلك الشيء أو الفعل. والأمور التي يلتئم تعليمها بقول، فإن منها ما قد يمكن أن يكون باحتذاء، ومنها ما شأنه أن يكون بالقول فقط لا غير. وكل شيء شأنه أن يتعلم بقول، فإنه يلزم ضرورة أن يكون للمتعلم في ذلك الشيء أحوال ثلاثة. أحدها أن يتصور ذلك الشيء ويفهم معنى ما سمعه من المعلم، وهو المعنى الذي قصده المعلم بالقول. والثاني أن يقع له التصديق بوجود ما تصوره أو فهمه عن لفظ المعلم. والثالث حفظ ما قد تصوره ووقع له التصديق به. وهذه الثلاثة هي التي لا بد منها في كل شيء يتعلم بقول. والمعلم فإنما ينبغي أن ينحو أبدا نحو أن يحصل للمتعلم هذه الثلاثة بالجهات التي يكون تحصيلها أسهل إمكانا، وأن يكون الذي يحصل على أجود ما يمكن أن يحصل. وجهات التعليم التي تستعمل في تحصيل هذه الثلاثة تسمى أنحاء التعليم. وأنحاء التعليم تختلف بحسب اختلاف الأمور التي تستعمل في التعليم وبحسب اختلاف جهات استعمال كثير من تلك الأمور عند التعليم.
صفحة ١٨
41 -
والأمور التي تستعمل إنما ينحى بها نحو تلك الأحوال الثلاثة التي ينبغي أن تحصل للمتعلم في الشيء الذي يتعلمه. وهذه الأمور كثيرة، منها استعمال الألفاظ الدالة على الشيء وحد الشيء وأجزاء حده وجزئياته وكلياته ورسوم الشيء وخواصه وأعراضه وشبيه الشيء ومقابله والقسمة والمثال والاستقرار والقياس ووضع الشيء بحذاء العين. وهذه كلها ما عدا القياس فتنفع في تسهيل الفهم والتصور. وأما القياس فإن شأنه أن يوقع التصديق بالشيء فقط. والذي قصدنا أن يقع به التصديق ينبغي أن يتصور قبل ذلك على الكفاية ثم يطلب التصديق به، فإن علم صدقه بنفسه لم يحتج إلى القياس، وإن لم يعلم بنفسه استعمل القياس في تبين صدقه. وجميع هذه قد تنفع في سهولة حفظ الشيء. والاستقرار والمثال من بينها ينفعان في الثلاثة بأسرها - أعني أن فهم الشيء يسهل بهما والتصديق أيضا قد يقع بهما وينفعان في سهولة الحفظ. وسائر هذه الأمور - ما عدا المثال والاستقراء والقياس - فإنها ليس شأنها أن توقع التصديق، لكنها تنفع في سهولة الفهم وفي سهولة الحفظ فقط.
42 -
أما لفظ الشيء وحده وأجزاء حده ورسمه
وخاصته وعرضه وشبيهه وجزئياته وكلياته، فإنها تنقع في جودة الفهم وفي حفظ الشيء.
وتستعمل على جهات ثلاث.
إحداها أن تؤخذ علامات للشيء
فتكون بأنفسها مخيلة، فتكون بحيث إذا حضرت الذهن حضر معها الشيء الذي جعلت هذه علامات له. فلذلك تكون مذكرة للشيء ومنبهة عليه، فتعين على تخيل الشيء وعلى حفظه. وأمر شبيهه أيضا بين. فإن الشيء متى يخيل شبيهه سهل تصور الشيء نفسه، من قبل أن خيال الشيء في النفس على مثال خيال شبيهه. والشيئان قد يشتبهان بأن يشتركا في أمر واحد يؤخذ فيهما جميعا معا، ويشتبهان بأن يتناسبا نسبا متشابهة. مثال ذلك أن نسبة الربان إلى المركب كنسبة قائد الجيش إلى الجيش، وكنسبة مدبر المدينة إلى المدينة. فقائد الجيش ومدبر المدينة والربان يتشابهون بتشابه نسبهم.
43 -
والنحو الثاني هو أن يبدل بعض هذا مكان بعض
وهو أن الشيء متى كان له اسمان، فكان أحدهما أعرف عند المتعلم والآخر أخفى عنه، فلم يفهم الشيء باسمه الأخفى، أبدل الأعرف مكان الأخفى. وكذلك متى كان الشيء يدل عليه لفظ مفرد ولفظ مركب، فلم يسهل فهمه عن لفظه المفرد، أبدل لفظه المركب مكان المفرد. وكذلك يبدل المفرد مكان المركب. وعلى هذا المثال قد يبدل كل واحد مكان كل واحد متى احتيج إلى ذلك. وهذا النحو يسمى إبدال الأعرف واقتضاب الأعرف. وكذلك يبدل اللفظ المفرد باللفظ المركب. وتبديل اللفظ المفرد باللف المركب يسمى شرح الإسم وتحليل الاسم إلى الحد. وعلى هذا المثال قد تبدل بدل حد الشيء حدود أجزاء حد الشيء. وهذا يسمى تحليل أجزاء الحد. وقد يشبه هذا أخذ الأشياء التي عنها يتركب الشيء بدل اسم الشيء في تعريف ذلك الشيء، كما لو أخذنا بدل الحائط اللبن أو الطين والآجر التي عنها تركب الحائط، والحائط هو جملة ذلك الشيء من غير أن يحضر في الذهن ما ينطوي عليه تلك الجملة من الأجزاء. وأخذ أجزائه بدل ذلك هو أخذ الجملة مفصلة بأجزائها. وإبدال ما عنه ركب الشيء بدل الشيء يسمى تحليل الشيء إلى ما عنه ركب. وهذا يشبه إبدال اللفظ المركب الدال على الشيء مكان اسم ذلك الشيء وإبدال حد الشيء مكان اسم الشيء. وقوم يسمو هذه الإبدالات الثلاثة المتشابهة القسمة، وآخرون يسمونها التحليل.
44 -
والنحو الثالث إبدال هذه الأشياء مكان الشيء نفسه
فإنه ربما عسر تصور الشيء فينبغي فيه أن يؤخذ لفظه بدل خيال ذلك الشيء. وكذلك متى كان تخيل حد الشيء أو أجزاء حدة أيسر على المتعلم من تخيل الشيء نفسه، أبدل حده بدل الشيء نفسه. وكذلك رسمه وخاصتة وعرضه. وكذلك متى عسر تصور شيء ما وكان ذلك الشيء كليا، أخذ جزء ذلك الشيء بدل ذلك الشيء فاكتفي بتخيله عن تخيل الكلي. وكذلك إن عسر تصور أمر ما وسهل تصور جنس ذلك الأمر أو نوعه، أخذ جنس ذلك الأمر أو نوعه بدل الأمر فاكتفي به وأقيم مقامه إلى أن يقوى ذهن المتعلم على تخيل الشيء بذاته. وقد يمكن أن يؤخذ شبيه الشيء بدل الشيء فيكتفي بتصور شبيهه عن تصور الشيء نفسه.
صفحة ١٩
45 -
وهذا النحو الثالث قد يمكن أن يركب فيه الإبدالات، بمنزلة ما لو اتفق أن عسر تخيل أمر ما فأخذنا كلي ذلك الشيء بدل الشيء ثم أبدلنا مكان الكلي اسمه فقام اسم الكلي مقام الكلي وقد كنا أقمنا الكلي مقام المر المقصود، فيصير اسم كلي الأمر مأخوذا بدل الأمر. وهذا النحو خاصة استعمله أرسطاطاليس في مواضع يسيرة. وكذلك إبدال الإسم الخاص بالشيء بدل الشيء، فإنه استعمله في مواضع عدة. وأما إبدال عرض الشيء بدل الشيء، فإن أرسطاطاليس يتجنب في الفلسفة هذا النحو من التعليم كل التجنب. وكذلك إبدال شبيه الشيء بدل الشيء، فإنه يتجنبه إلا في أشياء يسيرة. وقد يمكن أن تركب هذه الإبدالات أصنافا من التركيب، مثل أن يبدل عرض الشيء بدل الشيء ثم يبدل ذلك العرض بشبيهه، وهذا من أردأ ما يكون من أنحاء التعليم.
46 -
وأردأ ما يكون ذلك كله ما ركب تركيبا أزيد كثيرا. مثال ذلك أن يبدل كلي الشيء بدل الشيء ويبدل الكلي بخاصته والخاصة بعرض فيها، ثم يؤخذ شبيه ذلك العرض بدل العرض ويقام اسم ذلك الشبيه بدل الشبيه، فيبعد السامع والمتعلم عنا لشيء المقصود غاية البعد. وهذا النحو من الإبدال استعمله كثير من آل فيثاغورس ومن تقدم أفلاطن واستعمله من أصحاب العلم الطبيعي أنبادقلس. ومن هذا النحو الكلام الذي ذكر في كتاب أفلاطن المعروف بطماوس من أن الباري أخذ خطا مستقيما فشقه فحناه من الاستقامة إلى الإستدارة - وشقه في الطول بدائرتين - ثم قسم إحدى الدائرتين سبع دوائر، فلذلك صارت السماء تتحرك دورا. فهذا هو أردأ ما يمكن أن يكون من أنحاء التعليم. وأرسطاطاليس قد صرح بترذيل هذا النحو من التعليم فقال هذا القول: فأما عنايتهم إنما كانت في في إفهام أنفسهم فقط ولم تكن عنايتهم في إفهامنا بل توانوا عن ذلك. ومعلوم أنهم قالوا هذه الأشياء وهي عندهم معروفة، إلا أن ما وضعوا من ذلك بهذا القول فهو خارج عن عقولنا. وكذلك ليس يجب أن نفحص عن أقاويل الذين فلسفتهم شبيهة بالزخارف. وبهذه السبيل تلتئم الأقاويل التي تسمى الرموز والألغاز. وعسى ألا تكون هذه مرذولة إلا في أنحاء التعاليم الفلسفية فقط. فأما في الخطابة وفي الأقاويل المستعملة في الأمور السياسية، فعسى ألا يكون الواجب غيرها.
47 -
وأما استعمال مقابل الشيء فإنه نافع في الفهم، من قبل أن الشيء إذا رتب مع مقابله فهم أسرع وأجود، وكذلك قد يذكر الشيء مقابله. فلذلك قد يمكن أن يؤخذ مقابل الأمر علامة للأمر فيصير معينا على فهم الشيء وعلى حفظه.
48 -
وأما النحو الذي بطريق القسمة
فإنما يستعمل متى عسر تخيل الشيء بسبب أمر عم ذلك الشيء وغيره، فسبق إلى الذهن فهم الشيء العام له ولغيره، فظن لذلك الشيء أن الشيء المقصود هو المشارك له في ذلك الأمر العام. فنستعمل عند ذلك طريق القسمة، فيقسم ذلك الأمر العام بأشياء يخص كل واحد منها من تلك الفصول واحدا من التي اشتركت في العموم، فيتخلص عند ذلك في فهم السامع الشيء المقصود. وقد يدخل في نحو القسمة تعديد المعاني التي يدل عليها اسم واحد، فإنه متى اشتركت معان كثيرة باسم واحد فقصد إلى تخيل أحدها أمكن أن يأخذ السامع بدل المفهوم شيئا آخر مما يمكن أن يفهم عن الإسم. فلذلك يجب في كل ما أمكن أن يعسر فهمه لهذا السبب أن يعدد جميع المعاني التي اشتركت في ذلك الاسم حتى يراها السامع متميزة في ذهنه ثم يتخلص له منها المعنى المقصود. ونحو القسمة قد ينتفع به في تسهيل الحفظ. فإن القسمة توقع الشيء تحت العدد، فيسهل حفظ الأشياء ذوات العدد. وأيضا فإن القسمة تضع المتقابلات بعضها بحذاء بعض، فيسهل لذلك فهم كل واحد من المتقابلات وحفظه.
صفحة ٢٠