ومنها ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مطلوب معرفة صيغته وهيئته. وصيغة الشيء قد تكون صيغة نفسه - أعنى صيغته التي بها أثبتت ذات الشيء نفسه - ، مثل أن صيغة الخف التي بها أثبتت خفيته هو أني يكون كذا وكذا، فمتى لم تكن تلك الصيغة لم يكن خف ومتى كانت كان خف. وكذلك في واحد واحد من الأشياء. فإن الخاتم صيغة ذاته هي التي بها أثبتت ذات الشيء. وقد تكون الصيغة أحوالا للشيء توجد له بعد استكمال وجود ذاته، مثال ذلك الثوب، فإن نساجته واشتباك لحمته لسداه هو صيغته التي بها وجدت ذاته. فأما متى قصر بعد ذلك أو لون لونا ما أو صقل فإن تلك - أعني القصارة او اللون أو الصقال والبريق - هي صيغ للثوب وليست التي بها أثبتت ذاته، لكن هي أحوال توجد للثوب بعد استكمال ذاته وتؤخذ صيغا له وهيئات. ومتى تامل واحدا واحدا من المحسوسات تبين للإنسان هذان الصنفان من الصيغ والهيئات. والصنف الذي به تثبت ذات الشيء تسمى صيغ ذات الشيء، والصنف الآخر الذي لا تثبت به تسمى الصيغ الخارجة عن ذات الشيء. والحرف الذي يقرن بالشيء فيدل على أنه مطلوب معرفة صيغته بالجملة فهو حرف كيف. فإنا إذا قلنا كيف الشيء فطلبنا هو معرفة صيغة الشيء، إما صيغة ذاته وإما الخارجة عن ذاته. فإنا متى قلنا كيف زيد فأجبنا أنه صالح أو طالح أو مريض، كنا قد أجبنا بصيغ زيد الخارجة عن ذاته. ويشبه أن تكون الصيغ التي بها يثبت الشيء خفيت عن الجمهور، فلذلك لا تكاد تجد لها أسامي مشهورة. وخليق أن يكون قولهم كيف عمل هذا الشيء، يطلب به صيغة العمل. وأما الصيغة الخارجة فهو الذي يعتاد الجمهور أن يستعملوا حرف كيف في المسألة عنها. والأمور التي تستعمل في إفادة الصيغ وفي الجواب عن المسألة بكيف الشيء، فإنها تسمى الكيفيات، وهو اسم مشتق من الحرف المستعمل عند المسألة. وما كان منها يفاد به صيغة ذات الشيء فإنها تسمى كيفية ذاتية، وربما سماها بعض الناس كيفيات جوهرية. وما كان منها يليق أن يفاد به السيغ الخارجة فإنها تسمى كيفيات عرضية وربما قيلت كيفيات غير ذاتية.
ومن الحروف ما إذا قرن بالشيء دل على أنه مطلوب تمييزه عن غيره أو مطلوب معرفة ما يتميز به عن غيره، مثل قولنا أي شيء هو وأيما هو. وهذه المألة إنما تستعمل إذا كان الشيء بحيث يمكن ان يلتبس أمره ويخشى أن يؤخذ غيره بدله، وإنما يمكن ذلك متى كان هناك آخر غيره. فإنا متى قلنا أيما هو زيد وأي شيء هو زيد ولم نعرف شيئا غيره فإن مسألتنا باطلة. وأما قولنا ما الإنسان فإنه قد يمكن أن نسأل هذه المسألة وإن لم يكن شيء سوى ذلك المسؤول عنه. وكذلك نقول كيف زيد وإن لم نكن عرفنا غير زيد ولا أيضا لو لم يكن في العالم غير زيد. ومتى قلنا أيما هو زيد ولم يكن في العالم غير ذلك كانت مسألتنا باطلة. وجميع ما يؤخذ في جواب المسألة عن الشيء كيف هو قد يليق أن يستعمل في الجواب عن الأمر أي شيء هو. وكثير مما يليق أن يستعمل في جواب أي شيء هو لا يليق أن يستعمل في جواب المسألة كيف. والكيفيات لما كانت منها ما يفاد به الصيغ الخارجة عن ذات الشيء.
ومنها ما يفاد به معرفة صيغة ذات الشيء، صارت الكيفيات المفيدة صيغ ذوات الأشياء متى أخذت في جواب أي شيء هو تفيد ما يتميز به الشيء في ذاته عن غيره، وكانت الكيفيات التي تفيد الصيغ الخارجة عن ذات الشيء متى أخذت في جواب أي شيء هو تفيد ما يتميز به الشيء في أحواله عن غيره. وتميز الشيء في ذاته عن غيره هو مثل تميز النخلة بما هي نخلة عن الزجاج وتميز زيد عن عمرو بأن ذا صالح وذا طالح، فإنا نعلم يقينا أن زيدا ليس يتميز عن عمرو بمثل تميزه عن الصوف.
الحواشي
ومن الحواشي الحروف التي متى قرنت بالشيء دلت على أنه مطلوب معرفة سببه، مثل قولنا لم وما بال وما شأن وما أشبه ذلك. وهذه الحروف إنما يستقيم أن تقرن بالشيء متى كان معلوم الوجود. فإنا إذا قلنا ما بال فلان يفعل كذا وكذا، ولم يعلم أنه يفعل، كان القول باطلا. وأيضا فإن هذا الحرف إنما يقرن أكثر ذلك بما يدل عليه اللفظ المركب، مثل قولنا لم يفعل زيد كذا وما أشبه ذلك. وقد يقرن أحيانا باللفظ المفرد متى أضمر معه شيء آخر مثل قولنا لماذا خرج، متى فهم عنا بالضمير زيد، فلو لم تكن الحال حلا يفهم من هذا القول ما يفهم من قولنا لماذا خرج زيد كان القول باطلا، والشيء الذي يقرن به هذا الحرف ينبغي أن يجتمع فيه أمران، أحدهما أن يكون قد علم وجوده من قبل والثاني ان يكون مركبا. وكذلك قولنا ما هو ينبغي أن يقرن بالشيء الذي يجتمع فيه أمران، أحدهما أن يكون قد علم وجوده والآخر أن يون ذلك الشيء مفردا - أعني أن يدل عليه لفظ مفرد أو ما سبيله سبيل لفظ مفرد. وهذان الحرفان - أعني ما هو ولم هو - يتشابهان في أن الشيء الذي يقرنان به ينبغي أن يكون معلوم الوجود ومختلفان في أن الشيء الذي يقرن به ما هو ينبغي ان يكون مفردا والشيء الذي يقرن به حرف لم ينبغي أن يكون مركبا.
8 - الروابط
صفحة ٤