53 -
وكل صنف من هذه الانقيادات له أمور خاصة تسوق الذهن إليه. والأمور التي تسوق الذهن إلى أن ينقاد للشيء بطريق الانقياد الشعري غير الأمور التي تسوقه إلى أن ينقاد للشيء بطريق خطبي، وذلك الأمور التي تسوقه إلى أن ينقاد للشيء بمغالطة غير الأمور التي تسوقه إلى أن ينقاد بطريق الجدل، والأمور التي تسوقه إلى أن ينقاد لما هو حق يقين غير التي تسوقه إلى أن ينقاد للشيء بالطرق الأخر. وسنبين فيما بعد أن الذهن ليس له انقياد آخر سوى هذه الخمسة. فيلزم إذن أن تكون أصناف الأمور السائقة إلى هذه الخمسة هي خمسة أصناف. وهذه الأصناف كلها تجتمع في أنها انقياد الذهن. وانقياد الذهن هو أمر يعمها كلها على مثال ما يعم الجنس للأنواع وعلى مثال ما يعم الشيء المطلق لما فيه شرائط وعلى مثال ما يعم المجمل الأشياء المفصلة. فإن انقياد الذهن على الإطلاق كأنه جنس لأصناف الانقيادات، كما أن الحيوان هو جنس لأصناف الحيوانات. أو كأن انقياد الذهن على الإطلاق هو مطلق وأصنافه مقيدة بشرائط، فإن صنفا منها هو انقياد شعري والآخر هو انقياد خطبي، وكذلك كل واحد من سائر الباقية هو مقيد بحال ما، كما أن الحيوان هو مطلق وأصنافه حيوان بشرائط، فإن منها ما هو حيوان ناطق ومنها ما هو حيوان صهال، وكذلك سائر أصنافها. أو كأن انقياد الذهن على الإطلاق هو انقياد مجمل وأصنافه انقيادات مفصلة، كما أن الحيوان هو جملة أو مجمل وأصنافه حيوانات مفصلة، مثل الإنسان والفرس والثور والغراب.
54 -
ولما كان انقياد الذهن منه عام ومنه مفصل، وكان العام عاما لتلك المفصلات، لزم أن تكون الأمور السائقة للذهن إلى الانقياد منها أمور عامية تسوق إلى الانقياد المطلق وأمور مفصلة تسوق إلى الانقيادات المفصلة. وكما أن الانقيادات المفصلة تحت الانقيادات المطلقة، كذلك الأمور المفصلة السائقة إلى الإنقيادات المفصلة تحت الأمور العامية السائقة إلى الانقياد المطلق. والأمور التي توجد مطلقة وتوجد مفصلة فإن معرفة المطلق منها والمجمل العام تتقدم معرفة الأمور التي تخص واحدا واحدا من المفصلات. مثال ذلك معرفتنا أن الحائط هو من لبن أو من حجارة قبل معرفتنا أن حائط كذا هو من حجارة كذا أو لبن كذا. وكذلك في صناعة الكتابة، فإن علمنا أن الخط على الإطلاق هو بالجملة من ألف وباء وتاء قبل معرفتنا أن الخط المحقق شكل ألفه كذا وشكل بائه كذا، والخط الرياسي شكل ألفه كذا وشكل بائه كذا. وكذلك الأمور العامية التي تسوق الذهن إلى الانقياد المطلق تتقدم معرفتنا بها معرفتنا أن صنف كذا من الانقياد يسوق إليه صنف كذا من الأمور.
55 -
والأمور العامية المطلقة التي تسوق الذهن إلى الانقياد المطلق تسمى
صفحة ٢٢