23

الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة

تصانيف

فتأمل في قوله (فسألت عمر)،فالرجل إراد الاطمئنان لهذا الحكم (الحديث)،أنه صدر من النبي ﷺ، فسأل بعض الأصحاب عنه. ويتضح هذا الضابط بشكل أجلى في قول أم المؤمنين لسائل يسألها عن مسألة، فتحيله إلى من هو أعرف بها، لتعلق المسألة بأمر ما، إذ أخرج الإمام أحمد بسند صحيح من حديث القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة ﵂ عن المسح على الخفين، فقالت: سلْ عليًا فهو أعلم بهذا منّي، هو كان يسافر مع رسول الله ﷺ فسألت عليًا ﵁،فقال: قال رسول الله ﷺ:"للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن " (١). فلما كان السؤال يتعلق بمسألة تقع في الغالب في السفر، فالسيدة عائشة ﵁ أرجعت السائل إلى صحابي آخر أعرف منها بهذه المسألة؛ لأنه كان يسافر مع النبي ﷺ. ومنه: ما أخرجه الشيخان من حديث أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، قال: جاء أبو موسى إلى عمر بن الخطاب فقال: السلام عليكم هذا عبد الله بن قيس، فلم يأذن له، فقال: السلام عليكم هذا أبو موسى، السلام عليكم هذا الأشعري، ثم انصرف، فقال: ردوا علي ردوا علي، فجاء فقال: يا أبا موسى ما ردك؟ كنا في شغل، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك، وإلا فارجع" قال: لتأتيني على هذا ببينة، وإلا فعلت وفعلت، فذهب أبو موسى. قال عمر: إن وجد بينة تجدوه عند المنبر عشية، وإن لم يجد بينة فلم تجدوه، فلما أن جاء بالعشي وجدوه، قال: يا أبا موسى، ما تقول؟ أقد وجدت؟ قال: نعم، أبي بن كعب، قال: عدل، قال: يا أبا الطفيل ما يقول هذا؟ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول ذلك، يا ابن الخطاب فلا تكونن عذابا على أصحاب رسول الله ﷺ، قال: سبحان الله إنما سمعت شيئا، فأحببت أن أتثبت" (٢). وفي قول عمر ﵁: (أتثبت) تصريح واضح باعتبار هذا الضابط المهم عندهم. ومنه ما أخرجه أحمد من حديث الوليد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة، حدّث عن النبيِّ ﷺ، أنّه قال: "من صلّى على جنازة فله قيراط، ومن صلّى عليها وتبعها فله قيراطان". فقال له عبد الله بن عمر: انظر ما تحدّث به يا أبا هريرة، فإنك تكثر الحديث عن رسول الله ﷺ، فأخذ بيده، فذهب به إلى عائشة، فصدقت

(١) أخرجه أحمد، المسند ١/ ١٤٩. (٢) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (٥٨٩١)،ومسلم –واللفظ له- المسند الجامع ٣/ ١٦٩٤ (٢١٥٣)،وغيرهما.

1 / 24