20

الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة

تصانيف

فأم المؤمنين عارضت حديث عمر وغيره من الصحابة بما تحفظه من سنّة المصطفى ﷺ، وبفهمها لكتاب الله تعالى. ومنه ما أخرجه الطحاوي من طريق عروة بن الزبير، قال: بلغ عائشة ﵂: أنّ أبا هريرة يقول: إنّ رسول الله ﷺ قال:" لأنْ أمتع بسوط في سبيل الله، أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا، وإن رسول الله ﷺ قال: ولد الزنا شر الثلاثة، وإن الميت يعذب ببكاء الحي". فقالت عائشة: رحم الله أبا هريرة أساء سمعًا فأساء إجابة" (١). قال الطحاوي:" قول رسول الله ﷺ الذي ذكره عنه أبو هريرة: " ولد الزنى شر الثلاثة " إنما كان لإنسان بعينه كان منه من الأذى لرسول الله ﷺ ما كان منه مما صار به كافرًا شرًا من أمه، ومن الزاني بها الذي كان حملها به منه" (٢). فأم المؤمنين عائشة ﵂ ردّت حديث أبي هريرة ﵁ بما تحفظه من حديث النبي ﷺ، وقد يكون كذلك من معارضته – بفهمها واجتهادها – للقرآن لكريم، ويؤيده ما جاء في أحد طرق الحديث أن عائشة ﵂ كانت إذا قيل لها: هو شر الثلاثة (يعني ولد الزنا)، عابت ذلك وقالت: "ما عليه من وزر أبويه، قال الله: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (٣) " (٤). ومنه أيضًا ما أخرجه أبو داود من حديث عدي بن ثابت الأنصاري: حدثنى رجل أنّه كان مع عمّار بن ياسر بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمّار وقام على دكان يصلى والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله ﷺ يقول:" إذا أم الرجل القوم فلا يقم فى مكان أرفع من مقامهم ". أو نحو ذلك، قال عمار: لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي" (٥).فحذيفة ﵁ إنما انتقد فعل عمار بما يحفظه من سنة النبي ﷺ.

(١) أخرجه الطحاوي، مشكل الآثار (٩١٠)،والحاكم، المستدرك على الصحيحين ٢/ ٢١٥،والبيهقي، معرفة السنن والآثار ١٤/ ٣٤٣. (٢) الطحاوي، شرح المشكل ٢/ ٢٦٩. (٣) هذه جزء من آية وردت في سورة: الانعام /١٦٤والإسراء/ ١٥،وفاطر/١٨والزمر/٧. (٤) أخرجه عبد الرزاق، المصنف (١٣٨٦٠) و(١٣٨٦١)،والحاكم، المستدرك ٤/ ١٠٠، والبيهقي، السنن ١٠/ ٥٨. (٥) أبو داود، السنن (٥٩٨) وروي عن أبي مسعود ﵁ أيضًا كما في السنن (٥٩٧)،وهو مما يعضد هذا الحديث.

1 / 21