المداراة وأثرها في العلاقات العامة بين الناس
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة الرابعة والثلاثون العدد (١١٤) ١٤٢٢هـ/٢٠٠٢م
تصانيف
هجر، وقطيعة، ثمَّ سعى طرف ثالث بينهما بالصلح، واختلق لذلك كلامًا حسنًا على لسان أحدهما يقوله في الآخر، يثني عليه، ويتمنى زوال أسباب الخلاف بينهما.
فإنّ من شأن ذلك أن يزيل ما علق في نفس كلّ منهما نحو الآخر من كراهية، ويجعله يعيد النظر في موقفه من الآخر، فإذا التقيا تعاتبا، وإذا تعاتبا تصافيا. وقد صحّ عن النبي ﷺ قوله: " لَيْسَ الْكَاذِبُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، ويَقُولُ خَيْرًا، وَيَنْمِي خَيْرًا " ١.
(٤) وفي مشهد آخر يستحوذ على اهتمام المسلم في علاقته مع الآخرين، وما يجب عليه من حقّ الضيافة والتكريم، وفق شريعته السمحة، تبرز بعض صور (المداراة) من مجاملة، ولين جانب، واستمالة للقلوب لكسب ودّها.
قالت عائشة ﵂ إنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: " بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ ".
فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ ﷺ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ.
فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ، وَانْبَسَطْتَ له؟!!
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فاحشًا؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ
_________
١ رواه البخاري في الصلح، باب ليس الكاذب الَّذي يصلح بين النّاس، ومسلم في البر والصلة، باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه، كلاهما عن أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيْطٍ أخت عثمان بن عفان لأمه.
1 / 299