الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى
الناشر
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٣هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
مرتفعًا؟ قال: «فعل ذلك قومك لِيُدخِلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، ولولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت، وأن ألصق بابه بالأرض» (١).
وهذا يدل الداعية على أن المصالح إذا تعارضت، أو تعارضت مصلحة ومفسدة، وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم؛ لأن النبي ﷺ أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم ﷺ مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه، وهو خوف فتنة بعض من أسلم قريبًا، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة، فيرون تغييرها عظيمًا، فتركها ﷺ لدفع هذه المفسدة" (٢).
٣ - تأليف القلوب بالمال والجاه أحيانًا، فالداعية كالطبيب الذي يشخص المرض أولا، ثم يعطي العلاج على حسب نوع المرض، فإذا علم الداعية أن المدعو لم يرسخ الإيمان في قلبه رسوخًا لا تزلزله الفتن، فله أن يعطيه من المال ما يستطيعه، للاحتفاظ بالبقاء على الهداية بالإسلام، وقد شرع الله للمؤلفة قلوبهم نصيبًا من الزكاة، وقد كان رسول الله ﷺ يسلك هذا المسلك، فيؤثر حديثي العهد بالإسلام بجانب من المال، إذا ظهر له أن الإيمان لم يرسخ؛ ولذلك أشار بقوله: «إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يُكبّ في النار على وجهه» (٣).
وقد كان يعطي ﷺ أشراف قريش وغيرهم من المؤلفة قلوبهم، لتلافي أحقادهم؛ ولأن الهدايا تجمع القلوب، وتجعل القلوب متهيئة للنظر في
_________
(١) البخاري مع الفتح، كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها ٣/ ٤٣٩، ومسلم، كتاب الحج، باب نقض الكعبة ٢/ ٩٧٢.
(٢) انظر: شرح النووي على مسلم٩/ ٨٩.
(٣) البخاري مع الفتح بنحوه، كتاب الإيمان، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة١/ ٧٩، ومسلم في الإيمان، باب تأليف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه١/ ١٣٢.
1 / 109