الحاوي الكبير
محقق
علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٩ هجري
مكان النشر
بيروت
باب نية الوضوء
قال الشافعي ﵁: وَلَا يُجْزِئُ طَهَارَةٌ مِنْ غُسْلٍ وَلَا وُضُوءَ إِلَّا بِنِيَّةٍ وَاحْتَجَّ عَلَى مَنْ أَجَازَ الْوُضُوءَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إِلَّا بِنِيَّةٍ وَهُمَا طَهَارَتَانِ فَكَيْفَ يفترقان.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: الطَّهَارَةُ ضَرْبَانِ مِنْ نَجَسٍ وَحَدَثٍ.
فَأَمَّا طَهَارَةُ النَّجَسِ فَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ إِجْمَاعًا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ إِنَّمَا هُوَ تَعَبُّدُ مُفَارَقَةٍ وَتَرْكٍ، وَالتُّرُوكُ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ كَسَائِرِ مَا أُمِرَ بِاجْتِنَابِهِ فِي عِبَادَاتِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا طَهَّرَ ما أصبته النَّجَاسَةُ مِنَ الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ بِمُرُورِ السَّيْلِ عَلَيْهِ وَإِصَابَةِ الْمَاءِ لَهُ عُلِمَ أَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَأَنَّ النِّيَّةَ فِي إِزَالَتِهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ.
فَأَمَّا طَهَارَةُ الْحَدَثِ فَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِنِيَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ بِمَائِعٍ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، أَوْ بِجَامِدٍ كَالتُّرَابِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ الْكُوفِيُّ تَصِحُّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ بِمَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ.
وَقَالَ أبو حنيفة وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ وَالتَّيَمُّمُ بِالتُّرَابِ يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ياأيها الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] . فَأَمَرَ بِغَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَلَمْ يذكر النية.
وفي إيجابها ما يخرج الْغَسْلَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ جواز الصلاة وذلك نسخ لِأَنَّهُ إِبْطَالُ حُكْمِهِ، وَفِي إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ آيَةَ الطَّهَارَةِ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ مَا يُوجِبُ منع
1 / 87