الحاوي الكبير
محقق
علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٩ هجري
مكان النشر
بيروت
مسألة
قال الشافعي ﵁: " فَإِذَا كَانَ أَمْرَدَ غَسَلَ بَشَرَةَ وَجْهِهِ كُلَّهَا وَإِنْ نَبَتَتْ لِحْيَتُهُ وَعَارِضَاهُ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى لِحْيَتِهِ وَعَارِضَيْهِ وَإِنْ لَمَ يَصِلِ الْمَاءُ إِلَى بَشَرَةِ وَجْهِهِ الَّتِي تَحْتَ الشَّعْرِ أَجْزَأَهُ إِذَا كان شعره كثيفا ".
قال الماوردي: وهذا صحيح، وجملته أن وجه الْمُتَوَضِّئِ لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ أَمْرَدًا لَا شَعْرَ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِلَ الْمَاءَ إِلَى جَمِيعِ الْبَشَرَةِ فَإِنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ لَمْ يُجْزِهِ حتى يستوعب جميعه.
والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ ذَا لِحْيَةٍ كَثِيفَةٍ قَدْ سَتَرَتِ الْبَشَرَةَ فَيَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنَ الْبَشَرَةِ وَإِمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى الشَّعْرِ السَّاتِرِ لِلْبَشَرَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْتَ الشَّعْرِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْمُزَنِيُّ فِي مَسَائِلِهِ الْمَنْثُورَةِ إِنَّ عَلَيْهِ إِيصَالَ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْتَ الشَّعْرِ كَالْجَنَابَةِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ مُسْتَحَقٌّ فِي الْوُضُوءِ كَاسْتِحْقَاقِهِ فِي الْجَنَابَةِ،، فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى الْبَشَرَةِ فِي الْوُضُوءِ كَمَا يَلْزَمُهُ فِي الْجَنَابَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى مَا تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبِ لَزِمَهُ إِيصَالُهُ إِلَى مَا تَحْتَ اللِّحْيَةِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ بَشَرَةِ الْوَجْهِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] . وَاسْمُ الْوَجْهِ يَتَنَاوَلُ مَا يَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ، وَمَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ لَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الِاسْمُ وَإِذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْحُكْمُ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ َ - كَانَ كَثِيفَ اللِّحْيَةِ وَغَسَلَ وَجْهَهُ مَرَّةً، وَالْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ لَا يَصِلُ فِيهَا الْمَاءُ إِلَى مَا تَحْتَ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ وَلِأَنَّهُ شَعْرٌ يَسْتُرُ مَا تَحْتَهُ فِي الْعَادَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ الْفَرْضُ إِلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ، وَبِالْعَادَةِ فَرَّقْنَا بَيْنَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ وَبَيْنَ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ لِأَنَّ شَعْرَ اللِّحْيَةِ يَسْتُرُ مَا تَحْتَهُ فِي الْعَادَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ وَشَعْرُ الذِّرَاعَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ لَا يَسْتُرُ مَا تَحْتَهُ فِي الْعَادَةِ فَلَزِمَ إِذَا صَارَ كَثِيفًا فِي النَّادِرِ أَنْ يُغْسَلَ مَا تَحْتَهُ، وَأَمَّا الْغَسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ أَنَّ إِيصَالَ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ مُسْتَحَقٌّ فِي الجنابة لقوله ﷺ َ -: " فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً "، وَفِي الْوُضُوءِ إنما يلزمه غسل ما ظهر لقوله: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] . فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَا تَحْتَ الْبَشَرَةِ لَا يَلْزَمُ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُمِرَّ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ الشَّعْرِ الظَّاهِرِ، وَإِنْ تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ لَمْ يُجِزْهُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: يَلْزَمُهُ أَنْ يَغْسِلَ الرُّبْعَ مِنْ شَعْرِ اللِّحْيَةِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْخُفَّيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَغْسِلَ شَيْئًا مِنْهُمَا وَهَذَا خَطَأٌ
1 / 109