الحاوي الكبير

الماوردي ت. 450 هجري
100

الحاوي الكبير

محقق

علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٩ هجري

مكان النشر

بيروت

فَأَمَّا حَدُّ الْمُزَنِيِّ فَفَاسِدٌ لِأَنَّهُ حَدَّ الْوَجْهَ بِالْوَجْهِ وَإِذَا كَانَ الْوَجْهُ مَحْدُودًا بِمَا وَصَفْنَا فَالِاعْتِبَارُ بِالْغَالِبِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ. فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَعْلَى شَعْرُ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ مُقَدَّمِهِ كَالْأَجْلَحِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِهِ، وَلَوِ انْحَدَرَ شَعْرُ رَأْسِهِ حَتَّى دَخَلَ فِي جَبْهَتِهِ كَالْأَغَمِّ كَانَ مِنْ وَجْهِهِ وَأَنْشَدَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَ هدبة بن خشرم: (فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا ... أغم القفا والوجه ليس بأنزعا) فسما مَوْضِعَ الْغَمَمِ وَجْهًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ. فَصْلٌ فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرْنَا فَالْجَبْهَةُ كُلُّهَا مِنَ الْوَجْهِ وَكَذَلِكَ الْجَبِينَانِ مِنَ الْوَجْهِ أَيْضًا وَالنَّزْعَتَانِ مِنَ الرَّأْسِ، فَأَمَّا التَّحَاذِيفُ وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ فِي أَعَالِي الْجَبْهَةِ مَا بَيْنَ بَسِيطِ الرَّأْسِ وَمُنْحَدَرِ الْوَجْهِ تُوجَدُ الْحِفَافُ وَالتَّحْذِيفُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ هُوَ مِنَ الرَّأْسِ أَوْ مِنَ الْجَبْهَةِ؟ فَذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَنَّهُ مِنَ الْوَجْهِ لِحُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ بِهِ مِنْ مُنْحَدَرِ الْوَجْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ النَّزْعَتَانِ مِنَ الرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَعْرٌ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا فِي مُنْحَدَرِ الْوَجْهِ وَتَسْطِيحِهِ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا حَدَّ الْوَجْهَ مِنْ قَصَاصِ الشَّعْرِ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَوْضِعُ التَّحَاذِيفِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: هُوَ مِنَ الرَّأْسِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ بِنَبَاتِ الشَّعْرِ فِي الرَّأْسِ وَعَدَمِ نَبَاتِهِ فِي الْوَجْهِ، فَلَمَّا كَانَ شَعْرُ التَّحَاذِيفِ يَتَّصِلُ نَبَاتُهُ بِشَعْرِ الرَّأْسِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرَّأْسِ دُونَ الْوَجْهِ. وَلِأَنَّ التَّحَاذِيفَ وَالْحِفَافَ مِنْ فِعْلِ الْآدَمِيِّينَ وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ عَلَى عَادَاتِهِمُ الْمُخْتَلِفَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ حَدًّا لِأَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ الْمَوْضِعُ تَارَةً مِنَ الْوَجْهِ إِنْ حُفَّ وَتَارَةً مِنَ الرَّأْسِ إِنْ لَمْ يُحَفَّ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا حَدَّ الْوَجْهَ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ لِيَخْرُجَ مِنْهُ مَوْضِعُ التَّحَاذِيفِ. وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدِي لِأَنَّ اسْمَ الْوَجْهِ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا حَصَلَتْ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ. فَصْلٌ فَأَمَّا الصُّدْغَانِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِمَا هَلْ هُمَا مِنَ الرَّأْسِ أَوْ مِنَ الْوَجْهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ هُمَا مِنَ الْوَجْهِ لِحُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ بِهِمَا كَالْجَبِينِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ هُمَا مِنَ الرَّأْسِ لِاتِّصَالِ شَعْرِهِمَا بِشَعْرِ الرَّأْسِ. وَالثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَجُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ مَا اسْتَعْلَى مِنَ الصُّدْغَيْنِ عَنِ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ وَمَا انْحَدَرَ عَنِ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الْوَجْهِ لِأَنَّ الْوَجْهَ مَحْدُودٌ بِالْأُذُنَيْنِ فَمَا عَلَا مِنْهُمَا لَا يَدْخُلُ فِي حَدِّهِ.

1 / 108