الحق الأبلج في دحض شبهات مفهوم البدعة للعرفج
الناشر
دار الإمام مسلم للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٨ هـ
تصانيف
المقدمة الثامنة:
ما تركه رسول الله ﷺ وصحابته من العبادات مع وجود
المقتضي وانتفاء المانع فهو سنة تركية ففعله بدعةٌ منكرة
هذه مقدمة مهمةٌ، وبضبطها تنجلي كثيرٌ من البدع، فإن ترك رسول الله ﷺ للعمل مع إمكان فعله - وهو الحريص كل الحرص على طاعة ربه وأخشى خلق الله وأتقاهم له - والمانع منتفٍ؛ حجةٌ كفعله للعبادة، فإن فعله ﷺ سنةٌ وتركه ﷺ سنةٌ، لكن لا يصح الاستدلال بالسنة التركية إلا عند توفُّر الدواعي للنقل ثم لا يُنقَل، وأقوى ما يتصور هذا فيما إذا نقل جزء العبادة دون جزئها الآخر، كما أشار لهذا شيخ الإسلام ابن تيمية (^١) على أن الأصل في العبادات أنها مما تتوافر الدواعي على نقلها، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل بيّن وبرهان واضح، فصلاة الرغائب والألفية لم يثبت فيها حديث عن رسول الله ﷺ وأصحابه، ففعلها مع ترك رسول الله وصحابته لها مع إمكان فعلهم لها، ولا مانع يمنع؛ هو من جملة البدع، إذ لو كان خيرًا لسبقونا إليه.
أما ما ترَكَه رسول الله ﷺ لوجود مانعٍ فليس داخلًا في البدع، وذلك كاستخدام مكبّرات الصّوت في الأذان، فلو فعله رسول الله ﷺ لَنُقِل، لكن لا يصح وصفه بالبدعة، لأنّه وجد مانع من فعله؛ وهو عدم وجوده في زمن النبي ﷺ، وكصلاة القيام جماعةً في رمضان، فإن رسول الله ﷺ تركه خشية أن يُفترض، فلما زال المانع بموته - إذ الوحي انقطع فما لم يكن مفروضًا فلن يفرض -؛ أمر الفاروق عمر بن الخطاب بفعلها كما ثبت في صحيح البخاري.
_________
(^١) رفع الملام عن الأئمة الأعلام (ص ٥٢) وما بعدها.
1 / 61