159

البرهان في وجوه البيان

محقق

د. حفني محمد شرف (أستاذ البلاغة، والنقد الأدبي المساعد - كلية دار العلوم، جامعة القاهرة)

الناشر

مكتبة الشباب (القاهرة)

مكان النشر

مطبعة الرسالة

تصانيف

في الناس، وأنه قد فشا وعظم وفسدت الفصاحة بمخالطة العرب الأعاجم، والأنباط وسائر الأجناس.
فأما في الكتاب فغير مغتفر له ذلك، لأن الطرف متكرر نظره فيه، وللروية تجول في إصلاحه، وليس كمثل الكلام الذي يجري على غير روية ولا فكرة.
وأما المواضع التي يجب أن يستعمل اللحن فيها ويتعمد له أكثره في أمثالها، ويكون ذلك مما يوجبه الرأي، فهو عند الرؤساء الذين يلحنون، والملوك الذين لا يعربون. فمن الرأي لذي العقل والحنكة، والحكمة والتجربة ألا تعرب بين أيديهم، وأن يدخل في اللحن مدخلهم، ولا يريهم أن له فضلًا عليهم. فإن الرئيس والملك لا يحب أن يرى أحدًا من أتباعه فوقه، ومتى رأى أحدًا منهم قد فضله في حال من الأحوال نافسه وعاداه، وأحب أن يضع منه، وفي عداوة الرؤساء والملوك لمن تحت أيديهم البوار، ومن ذلك ما يحكى عن بعض من تكلم في مجلس بعض الخلفاء الذين كانوا يلحنون، فلحن فعوتب على ذلك فقال: "لو كان الإعراب فضلًا لكان أمير المؤمنين إليه أسبق"، وسأل الوليد رجلًا عن سنيه فقال: "كم سنيك؟ " فقال "أربعين سنة" فقال: لحنت فقال: إنما اتبعتك فقال: "فكم سنوك" فقال أربعون سنة، وقد يستملح اللحن من الجواري، والإماء، وذوات الحداثة من النساء، لأنه يجري مجرى الغرارة فيهن وقلة التجربة، وفي ذلك يقول الشاعر:
(وحديثُ ألَذُّه هو مما ... تشتهيه النفوس يوزنُ وزنا)

1 / 206