البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج
الناشر
دار ابن الجوزي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
(١٤٢٦ - ١٤٣٦ هـ)
مكان النشر
الرياض
تصانيف
السلف من الصحابة، وخيار التابعين، إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة ﵃، كما سيأتي تمام البحث فيه في المسائل - إن شاء الله تعالى -.
ولما كثر من ينكر القدر من الكفّار، ولهذا كثر تكراره في القرآن، وتنويهًا بذكره، ليحصل الاهتمام بشأنه أكّده بقوله (خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) بالجرّ بدلٌ من "القدر"، وفي رواية: "بالقدر كُلِّهِ خيره وشره"، وزاد في رواية: "حُلْوه، ومرّه"، وزاد في أخرى "من الله".
[تنبيه]: ظاهر السياق يقتضي أن الإيمان، لا يُطلق إلَّا على من صَدَّق بجميع ما ذُكر، وقد اكتفى الفقهاء بإطلاق الإيمان على من آمن بالله تعالى، ورسوله ﷺ، ولا اختلاف أن الإيمان برسول الله ﷺ المراد به الإيمان بوجوده، وبما جاء به عن ربه، فيدخل جميع ما ذكر تحت ذلك. والله تعالى أعلم (^١).
(قَالَ) الرجل (صَدَقْتَ، قَالَ) الرجل أيضًا (فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ) قال في "الفتح": هو مصدر أحسن يُحسن إحسانًا، ولتعدى بنفسه وبغيره، تقول: أحسنت كذا: إذا أتقنته، وأحسنت إلى فلان: إذا أوصلت إليه النفع، والأول هو المراد؛ لأن المقصود إتقان العبادة، وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلًا محسن بإخلاصه إلى نفسه، وإحسانُ العبادة: الإخلاص فيها، والخشوع وفراغ البال حالَ التلبس بها، ومراقبة المعبود.
وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: الإحسان هو مصدر أحسن يُحسن إحسانًا، ويقال على معنيين:
[أحدهما]: متعدّ بنفسه، كقولك: أحسنت كذا، وفي كذا: إذا حسّنته، وكمّلته، وهو منقول بالهمزة من حسُن الشيءُ.
[وثانيهما]: متعدّ بحرف جرّ، كقولك: أحسنت إلى كذا: أي أوصلت إليه ما ينتفع به، وهو في هذا الحديث بالمعنى الأول، لا بالمعنى الثاني، إذ حاصله راجع إلى إتقان العبادات، ومراعاة حقوق الله تعالى فيها،
(^١) راجع: "الفتح" ١/ ١٦٣.
1 / 102