البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج

محمد بن علي بن آدم الأثيوبي ت. 1442 هجري
84

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج

الناشر

دار ابن الجوزي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

(١٤٢٦ - ١٤٣٦ هـ)

مكان النشر

الرياض

تصانيف

بـ "الكفاية"، وكذا إسماعيل بن الفضل التيميّ في كتابه المسمَّى بـ "الترغيب والترهيب". قال الطيبيّ: وأقول: لعل هذا الوجه أرجح؛ لأن الأصل في إسناد الركبة إلى الركبة أن يكون الاعتماد والاتّكاء عليه، فإذا لا يبعُدُ وضع جبريل ﵇ يديه على فخذي رسول الله ﷺ على تلك الحالة، فأشعرت تلك الهيئة بأنها ليست كهيئة التلميذ، وكذا نداؤه لرسول الله ﷺ باسمه، بل هما من هيئة الشيخ إذا اهتمّ بشأن التعليم، وأراد مزيد إصغاء المتعلّم وإفهامه، فكيف لا؟ وقد شَهِد الله تعالى به في قوله ﷿: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥)﴾ [النجم: ٥]، وكفى يه شاهدًا، وينصره أيضًا أمران: [أحدهما]: قوله: "جلس إلى النبيّ ﷺ"، فلو كان جلوسه جلوس المتعلّم لقيل: بين يديه، فضلًا أن يقال: عنده، فكيف بقوله: "جلس إليه"؛ لأنه متضمّن معنى الميل والإسناد، كأنه قيل: مال إليه حالة جلوسه، وأسند إليه، فيكون عطف قوله: "وأسند ركبتيه" على قوله: "جلس إليه" للبيان والتفسير، كعطف قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ﴾ - إلى قوله -: ﴿مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ على قوله: ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة: ٧٤]؛ لما يُعلم من المعطوف كون قلوبهم أقسى من الحجارة. [وثانيهما]: قوله: "صدَقتَ"، وإنما يقال هذا إذا طابق قول المسئول عنه قول السائل؛ لأنه إذا عرف أن المسئول عنه أصاب المخبر، وطبَّق المفصل صوّبه، ولهذا السرّ قالوا: "فَعَجِبْنَا من قوله: صدقت". وأيضًا في إيثار "إذ طلع علينا" على "إذ دخل" إشارة إلى عظمته وعلوّه، قال الراغب الأصبهانيّ: طلع علينا فلان مستعار من طلعت الشمس (^١)، وقال في "الكشّاف": في قوله ﷿: ﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ﴾ [مريم: ٧٨]: ولاختيار هذه الكلمة شأن، يقول: أو قد بلغ من عظمة شأنه أن ارتقى إلى علم الغيب (^٢)، فحينئذ يتعلّق قوله: "حتى" بمحذوف يدلّ عليه "طلع"، أي دنا منه حتى جلس إليه.

(^١) راجع: "المفردات" للراغب، مادة "طلع". (^٢) راجع: "الكشاف" تفسير سورة مريم ص ٧٨.

1 / 88